| «الجد أحمد» أكبر موظف أمن بمصر شارك في حرب أكتوبر: مقدرش أعيش من غير شغل

ملتحفا بملابسه الثقيلة، يحاول أن يستمد منها الدفء، لإعانته على مواجهة البرد القارس الذي تشهده البلاد حاليا، بينما تجوب عيناه الغائرتان يمينا ويسارا للتأكد من أمن المبنى، رغم الظلام الدامس المخيم على المنطقة في الساعة الواحدة صباحا، كعادته دائما، إذ يحرص «الجد أحمد» على تأدية عمله بنشاط وحيوية يوميا. 

«جدو أحمد» تنقل بين مصر وخارجها للعمل

أمام أحد عقارات شارع دجلة بحي المهندسين، يتواجد لحراسته أحمد عمر عدار، أو «جدو أحمد» كما يناديه البعض، إذ تجاوز عمره 80 عاما، ما قد يجعله أكبر موظف أمن بمصر، ولكنه يمارس عمله بكل همة ونشاط، رغم سنه الطاعنة، لدرجة أن كل من يراه يظن أن عمره أكبر من العقار الذي يحرسه بسنوات ليست بالقليلة، خاصة كونه يمتلك رحلة كفاح طويلة تنقل فيها بين مهن مختلفة داخل البلاد وخارجها لإعانته على تعليم أبنائه.

«مبحبيش القعدة».. بهذا الرد البسيط، برر «الجد أحمد»، حرصه على مواصلة عمله كموظف أمن رغم عدم احتياجه المادي ومطالبات أبنائه له بالاكتفاء بما قدمه خلال رحلة كفاحه الطويلة التي امتدت لعقود من الزمن، وأن يستريح في منزله رفقة زوجته المسنة أيضًا: «عمري ما اتعودت على القعدة، بشتغل من وأنا عيل صغير، مقدرش أعيش من غير شغل».

بضحكة بسيطة صادقة ارتسمت على وجهه، وصف الجد الثمانيني طبيعة عمله الحالي، بـ«احتياطي ملعب»، إذ حددت شركة الأمن التي يعمل لديها أنه البديل الأفضل لتغطية إجازات زملائه: «بشتغل ساعات 16 ساعة وأوقات تانية 12، وأوقات 8، حسب إجازات زمايلي».

موظف الأمن الثمانيني شارك في حرب أكتوبر

موظف الأمن، الذي يعود أصله لأسوان قبل انتقال أسرته إلى القاهرة خلال ثورة يوليو 1952، درس حتى المرحلة الإعدادية، وحرص على مساعدة أسرته منذ الصغر، عبر عمله الأول «صبي ميكانيكي، كنت بقبض 4 صاغ»، وظل فيه لأعوام، حتى التحاقه بالجيش المصري في سبعينيات القرن الماضي، ليقضى خدمته العسكرية، التي شهدت أفضل إنجاز في حياته: «أنا من أبطال نصر أكتوبر 1973، كنت جندي في السلاح اللي كان بيقوده الشهيد البطل أحمد حمدي».

«جدو أحمد» عمل كسائق في 3 دول

بعد نصر أكتوبر العظيم، وإنهاء المسن الأسواني لفترة خدمته العسكرية التي امتدت إلى 4 سنوات، عمل كسائق عدة أعوام بداية من تاكسي الأجرة الخاص به، الذي نجح في شرائه بنظام التقسيط وقتها بسعر 3 آلاف جنيه، قبل أن يتنقل بين 3 دول عربية عمل فيها بالمهنة نفسها: «سافرت اليمن والعراق والأردن، اشتغلت هناك سواق برضه، وكمان سافرت السعودية بس كان عشان أحج».

ونتيجة لتلك الرحلة الطويلة لموظف الأمن، القاطن بمنطقة بشتيل التابعة لمحافظة الجيزة، تمكن من تربية ولد وبنتين، الابن والابنة الكبرى تخرجا من كلية الشريعة الإسلامية، ومساعدتهم بالزواج لتأمين حياة مستقرة لهما، بينما مازالت ابنته الصغرى تدرس في كلية الحقوق جامعة القاهرة: «ودي مخطوبة وفرحها خلاص قرب ونفسها تقى محامية».

يحكي الجد أنه بعد تلك الرحلة الطويلة، يتمنى حسن الختام: «مش عايز غير حسن الختام»، كما يأمل لبلده التي شارك في تحرير أرضها مسبقا أن تعود إلى الريادة في مجال الصناعة: «نفسي الصناعة المصرية ترجع لريادتها زي زمان، ونفسي الشباب يعرفوا قيمة الشغل والتعب، مش عايزهم يستعجلوا النجاح».