| القصة أكبر من مائدة إفطار.. ملحمة محبة شعبية في مظاهرة الصائمين بالمطرية

أجواء شعبية ورمضانية، خاصة شهدتها عزبة حمادة بمنطقة المطرية محافظة القاهرة، أمس الخميس، الموافق 15 رمضان، تمثلت في تنظيم أكبر مائدة إفطار على مستوى مصر بالكامل، حيث ضمت مئات الصائمين من مختلف الجنسيات والأجناس والأعمار، اجتمعوا معًا لتناول الإفطار مع صوت المدفع، في جو من الألفة والحب والدفء الأسري، رافعين شعار «أكبر مائدة إفطار للمرة التاسعة ولسة مكملين».

أكبر مائدة إفطار في المطرية

لم تكن مائدة المطرية، التي نُظِمت أمس، مائدة إفطار أكثر من كونها مائدة حب ودفء وفرصة للطبطبة على القلوب بتبادل كلمات المحبة، فرغم صوم جميع المتواجدين لأكثر من 15 ساعة متواصلة، إلا أن صوت المدفع وقت الإفطار، لم يكن إيذانًا بالأكل بل بوق تهليلٍ وصافرة إعلانٍ، ليقدم كل واحد طعامه للجالس بجواره بأسارير متهللة ويد جسورة، مع أنها قد تكون المرة الأولى التي يراه فيها، ولا يعرف حتى اسمه أو ديانته أو لأي منطقة أو عائلة ينتمي، لا يفرق معه سوى كونه شريك معه في «مائدة الحب».

لم تقتصر الأجواء الرمضانية والشعبية في عزبة حمادة بمنطقة المطرية، أمس، على تنظيم المائدة، بل حرص أهالي العزبة بالكامل على نشر البهجة في جميع ربوعها وشوارعها، من خلال تعليق الزينة وتجميل الجدران بلوحات وعبارات التهنئة بالشهر المبارك، فضلًا عن الاستعانة بسماعات مُكبرة للصوت وتشغيل تشكيلة من الأغاني الرمضانية القديمة، ليتعالى من وسط الزحام صوت الثلاثي المرح وهن يتغنين «أهو جه يا ولاد.. هيصوا يا ولاد»، ليتهلل معها جميع المتواجدين وكأنهم أطفالًا على اختلاف مراحلهم العمرية، ومن ثم دقائق وتتعالى كلمات أغنية «لولا الحبايب لولا جينا»، ليتذكر الجميع سبب تواجدهم من الأساس، وهو بالطبع تناول وجبات الحب الدسمة وليس الطعام.

جولة «» بين الصائمين

حرصت «» أن تُسلط الضوء على كل تلك التفاصيل الرائعة والمتجسدة، في عزبة حمادة من حب وألفة وطمأنينة، وأجرت جولتها بين جموع الصائمين، الذين فاضوا بكلمات تحاكي فرحتهم بهذا باليوم، إذ قال شريف صالح، 42 سنة: «أنا مبسوط جدًا باللمة دي والتجمع ده، ربنا يديمها علينا نعمة، ونكون مع بعض ومبسوطين دايمًا، وكل سنة والناس كلها طيبة وبخير يا رب»، موضحًا أنهم ينتظرون اليوم الخامس عشر من شهر رمضان من كل عام للتلاقي على هذه المائدة.

وبينما ينهمك حربي مبروك، صاحب الـ65 عامًا، في تبادل التهاني القلبية الحارة والصادقة، التقط أطراف الحديث ليعبر عن سعادته الكبيرة بهذا التجمع، الذي يعتبره بمثابة فرصة ثمينة للتلاقي والتعبير عن الوحدة والحب بينهما، وأنه على الرغم من تهاون صحته بحكم السن وظروف الصوم، إلا أنه كان حريصًا على التواجد وسط هذا الزحام ووسط أهله وأحبابه، يتقاسموا الفرحة والحب معًا: «أحلى يوم بنشوفه في السنة، وربنا يجعل أيامنا كلها أعياد وحب ولمة مع بعض».

المشاركة في المائدة

الزحام الشديد وتجمهر الصائمين وكل محبي الفرحة ومُقدسي الحب، لم يكن عائقًا أمام الاستمتاع بتفاصيل اليوم، بل كلٌ قدم ما في وعائه لتكثيف جرعة السعادة، فهناك من يتسابق لتقديم أكواب العصير البارد للضيوف، ومن يحمل كرتونة ممتلئة بثمرات التمر الطازجة يوزعها بحب، وعلى الناحية الأخرى هناك من ترك عمله، وأتى ليشارك في هذا اليوم، من خلال توزيع الشيكولاتة على جميع المتواجدين، وهو أسامة سعيد، ابن الـ43 عامًا، يعمل مهندس كمبيوتر، إذ أوضح لـ«» أنه يأتي سنويًا ليشارك في مائدة المطرية ويتقاسم الحب مع أهلها: «بحب أدي الناس شيكولاتة، علشان تكون حاجة مسكرة كده بعد الأكل، علشان السكريات والطاقة، ويحلّوا بيها بقهم ويتبسطوا».

رغم الكميات الضخمة من الطعام المُعد لإفطار الصائمين، إلا أن أهالي عزبة حمادة لم يلقوا صعوبة في توفير المبلغ المطلوب، نتيجة لاتباعهم نظام سنوي ثابت لجمع المال، يتمثل في تنظيم جميعة لسكان العزبة بالكامل، على أن يُقدم كل منهم ما في استطاعته شهريًا، والتي يبدأوا فيها بمجرد انتهاء شهر رمضان الكريم، حتى يكون المبلغ مكتملًا بحلول رمضان التالي: «تمويل المائدة كله ذاتي وبنرفض أي تبرعات من بره، وفي بيت في العزبة اسمه بيت الصعيدي، هو اللي بيشرف على الجمعية وماسك الميزانية، وكمان تحضير الأكل والتخديم على الناس وهي بتاكل بيكون من خلال شباب العزبة»، بحسب سيد شلش، ابن الـ53 عامًا، الذي أوضح أنها المرة التاسعة لتنظيمهم أكبر مائدة في المطرية وعلى مستوى مصر بالكامل، وأنه لولا ظروف الحظر في عامي 2020 و2021، بسبب تفشي جائحة كورونا لكانت ستصبح المرة الحادية عشر لتنظيمها هذا العام.

حضور سفير كوريا الجنوبية للمائدة

جنسيات مختلفة اجتمعت على المائدة بروح مصرية، لتناول الطعام والاستمتاع بالأجواء الرمضانية في «أم الدنيا»، كان أبرزهم سفير كوريا الجنوبية هونج جين ووك، الذي حرص على المشاركة في المائدة، وعَبَرَ خلال حديثه لـ«» عن فرحته بكل ما تراه عينيه ويشعر به من حب وألفة بين الناس في الشهر الكريم، قائلًا: «رمضان في المطرية حاجة تانية».