تخيل أن تموت وحيدًا ولا يشعر بك أحد سوى بعد وقت طويل، هكذا لا يمر يوما باليابان دون أن يجرى الإبلاغ عن وجود أحد كبار السن متوفيا في شقته منذ أسابيع أو شهور، وربما تصل إلى سنوات، دون أن يلفت هذا الاختفاء أنظار أحد، سوى عمال النظافة بعد فترة ليست بالقصيرة.
في اليابان انتشرت ظاهرة الـ«كودوكوشي»، التي تعني حرفيًا أن تموت دون أن يشعر بك أحد، وهي الظاهرة التي ساهمت في تفكك العائلة اليابانية، وإضعاف الروابط بين الآباء وأبنائهم، وبحسب موقع «روسيا اليوم الفرنسية»، يروي «ماساتومى يوكو» مدير إحدى شركات التنظيف، أنه وجد في إحدى المرات جثة سيدة وكان الطعام والشراب على المائدة كأنها لاتزال تأكل وتشرب: «لم يكن في ثلاجة تلك السيدة سوى المياه، لا فاكهة ولا خضار ولا أجبان ولا لحوم، فقط وجبة جاهزة كانت على الطاولة وقد وجدت جثتها بعد 10 أيام من وفاتها».
يؤدي «ماساتومى» هذا العمل منذ 10 سنوات مؤكدا أن هذا الوضع يوضح كيف أن كبار السن ينعزلون في منازلهم دون أن يتواصلوا مع أصدقائهم أو عائلاتهم أو جيرانهم أو حتى دون أن يتحدثوا مع الباعة: «الأعداد في ازدياد مستمر».
معاناة كبار السن في اليابان
بعض كبار السن يحاولون محاربة العزلة مثل «ماريكو هيروتا» التي اعتادت أن ترتاد المقهى القريب من منزلها لتلتقى بأُناس جدد، وتتحاور معهم يوميا، تقول: «إنه لأمر تعيس أن تكون وحيدًا.. جميع أقربائي ماتوا ولم يعد لي أحد سوى ابنتي وحفيدتي، تزورانني مرتين بالشهر نظرا لبعد منزلهما، أمي كانت دائما تخبرني أن أبكى إذا شعرت برغبة في البكاء فبعده ستشعر براحة وتتعافى».
وتسجل اليابان سنويا 30 ألف حالة «كودوكوشي» منها 3 آلاف بالعاصمة طوكيو، وقد ازداد هذا العدد خلال العشر سنوات الأخيرة بنسبة 70%، وبحلول عام 2023 سيبلغ عمر ثلث سكان اليابان الـ65، وأكثر كبار السن يتوفون بهذه الدولة دون أن يشعر بهم أحد، سوى بعد أيام إن لم يكن أسابيع.
16 مليون أعمارهم أعلى من 75 عاما
وأوضحت الأحصائيات أن اليابان بها حوالى 16.4 مليون تبلغ أعمارهم 75 عاما أو تتجاوز هذا العمر، وحوالى 33.8 مليون تبلغ أعمارهم 65 أو أكثر، من بينهم 19.2 مليون امرأة، وهناك حوالي 60 ألف يبلغون من العمر 100 عام.
ووفقا لتقرير صحفي نشرته مجلة «نيكى آسيا» اليابانية، فإن جائحة كورونا قد زادت من خطورة هذا الوضع؛ إذ أن الشعور بالوحدة لا يسيطر فقط على كبار السن الآن بل يشمل جميع الأعمار كالمراهقين الذين أُغلقت مدارسهم والشباب الذين طُردوا من أعمالهم، لذا قررت طوكيو أن تحذو حذو بريطانيا التى عينت عام 2008 وزيرا معنى بالسيطرة على الشعور بالوحدة الذى يدفع الكثير للانتحار.
وتتصدر اليابان لائحة الدول الصناعية كدول مجموعة السبعة التي يرتفع بها معدل حالات الانتحار، لتصل إلى 14.9 بين كل 100.00 شخص.