شارع قديم امتلأ بالمحلات على جانبيه، رائحة الزمن القديم تفوح منه وكأنك عدت إلى حقبة الستينات، فكل ما فيه يجذب الأنظار بداية من عراقة معظم المحلات التي يعود بعضها إلى الخمسينات، وصولا إلى البضاعة المعروضة للزائرين، ففي «باب البحر» تجد كل يلزمك من «الإبرة للصاروخ» من مستلزمات حلاوة المولد وخامات الحلويات المختلفة، فهو الوجهة المثالية للمحتفلين بالمناسبة الروحانية السنوية المقدسة، ففي كل عام قبل حلول موعد المولد النبوي الشريف بنحو شهر، يحرص الباعة والتجار على عرض الأصناف المختلفة من الحلوى، ولا يوجد مكان لقدم واحدة نتيجة الإقبال الشديد من المواطنين على شراء ما يلزمهم.
بدء موسم التحضير لحلاوة المولد
«مهنة بيع حلاوة مولد النبي ترفيهية، مستمدة الإقبال وشعبيتها من قدسية المناسبة نفسها وهي مولد أشرف الخلق»، بهذه الكلمات بدأ محمود الصعيدي، صاحب أحد محلات الحلوى في منطقة باب البحر، حديثه لـ«»، مشيرًا إلى أنّ موسم التحضير يبدأ قبل موعد الليلة الكبيرة بنحو شهر، وينتهي البيع قبل انتهائها، حيث يشهد الشارع إقبالا كبيرا من المواطنين لشراء ما يناسبهم من الأصناف وبأسعار متفاوتة سواء جملة أو قطاعي: «أنا في الأساس محامِ، والمهنة دي متوارثة أبا عن جد من السبعينات، وحبيتها علشان مهنة العائلة وفي الوقت نفسه مرتبطة بمناسبة روحانية».
ما بين السنوات الماضية والوقت الحاضر، اختلفت صناعة المولد بشكل كبير، وذلك يرجع إلى تغير المعدات: «كان في زمان مكنة معينة بتعجن الحلو وهو سخن، علشان العمال ميقدروش يمسكوها بإيديهم، وفي نفس الوقت السكر بيبقى شديد وصعب التشكيل، والمكنة كانت عبارة عن مسمار ضخم حديد بيتعلق على باب المصنع، والصنايعي بيمسك الحلاوة ويحدفه عليه ويشدها علشان يهويها وتوصل لدرجة حرارة معينة، وفي نفس الوقت توصل للمقام المقرمش بتاع القرص، بعده كده بقى في مكنة بتعمل الكلام، بقى في مقدار معين لأقراص الحلاوة وبيتقص بالمقص، ويتحط في فرن يدوي، والتدخل البشري الوحيد إن العامل بيتناول المنتج بعد التشكيل النهائي».
وعن مكونات حلوى المولد ومراحل تصنيعها، يحكي «الصعيدي»: «الحلاوة معروف أنها بتتكون من السكر والعسل الجلوكوز وبيدخلها في بعض المنتجات النشا، المكن بيصهر السكر علشان يوصل للصورة السايلة ونبدأ في إننا نحط العسل الجلوكوز علشان ندي قوام متماسك للحاجة، وبعدها نضيف أنواع الحبوب زي السمسم والفول السوداني والحمص، ونفردها في صاج ونشكلها بالصورة اللي إحنا عايزينها، والملبن بيختلف أنه بيتضاف له نشا وجيلاتين مستمد من مصدر غذائي بروتيني».
فكرة صناعة حلوى المولد واحدة، لكن الجديد بها يكون في الخامة نفسها، مثلا جوز الهند يكون على 4 هيئات «خشن، ناعم، مبشور، رفيع مثل الشعرة»، ويجري بشره ثم تصنيع أصناف مختلفة، أو يدخل في منتجات أخرى مثل الملبن، والملبن من الممكن أن يحتوي على الفول السوداني ويصبح «دوميه» ويضاف إليه صناعية: «كل اللي بيحصل بيبقى عبارة عن ميكسات دمج بين أصناف وأصناف فبتطلع منتج جديد».
«أساس مهنتنا التنوع واختلاف الأذواق»، يوفر كل تاجر أصنافا وأشكالا مختلفة متفاوتة الأسعار وفقا لحجمها إرضاء لجميع الأذواق، إذ تصنع الحلوي بـ3 أحجام «كبير ومتوسط وصغير»، وهذا ما يُحدِث تفاوتا في الأسعار، والأمر مرتبط بنوع الخامة أيضًا، ولا يمكن تخزين الحلوى لأكثر من 8 أشهر، إذ تتلف بعد ذلك حتى لو حُفظت بطرق ممتازة: «المولد لما بيخلص، البواقي من الحلاوة بتتوجه على الموالد الثانوية اللي موجودة في المحافظات والقاهرة، زي مولد السيدة زينب والحسين».
يلتقط طرف الحديث، عمرو عبد الشافي، المسؤول عن أحد معارض حلوى المولد بالمنطقة، إذ يضيف أنّ حلاوة المولد أصنافها ثابتة «الأعلاف، المكسرات، جوز الهند، الملبن»، لكن يتم تشكيلها وإدخال نكهات جديدة كي يشعر الزبون بالتغيير: «لازم الزبون يلاقي اللي يرضيه علشان يقدر يشتري، لأن ده موسم روحاني وطقس مش هيتغير من قديم الأزل، والناس كلها متعودة أنها تجيب حلاوة المولد حتى لو صنفين تلاتة، بس المهم أنها تشتري لأنها اتعودت على كده»
تنقسم حلاوة المولد إلى نوعين «شعبي ولوكس»، حيث يبيع المعرض أكثر من 70 صنفا: «الشعبي الأصناف العادية زي الملبن والأعلاف، والزبون يقدر يشكل علبة بـ50 جنيها، وممكن ناس تبقى عايزة تشكل علبة بـ70 أو 80 جنيها، العلبة الشعبي أقل حاجة فيها 3 أصناف بتبقى قطعة أو قطعتين من كل صنف، مع الملبن والدومية وجوز الهند، والكيلو واقف عليا بـ45 أو 50 جنيها، ممكن الكيلو من الصنف الواحد يزيد 10 أو 15 جنيها على حسب مكونات العلبة، ممكن تخش في 10 أصناف من 55 لـ65 جنيها منتج المصنع نفسه».
أسعار حلاوة المولد
أقل سعر صنف في «الشعبي» هو الحمص بـ65 جنيها للكيلو، وأعلى صنف هو السمسم بـ85 جنيها، و«اللوكس» سعر الحمص 65 جنيها وأعلى صنفين هما السمسم والفولية، والملبن يبدأ من 38 جنيها ويصل إلى 45 جنيها حسب الخامة: «أساس حلاوة المولد بيبقى سكر وعسل جلوكوز، العسل الجلوكوز هو اللي بيخليني أعرف أشكل سكينة الحاجة، وفي حاجات بيبقى داخلها نشا زي الملبن الحبل، وإحنا عندنا أصناف جديدة زي ساندويتش البرتقال».
«موسم مولد النبي كبيره شهر، الحلاوة مينفعش تتخزن للسنة الجاية، وقبل ما الموسم بيخلص لازم نكون مخلصين البضاعة سواء توزيع على التجار أو بيع قطاعي للزباين، وممكن أبقى فاتح بعد الموسم والليلة الكبيرة حوالي 15 يوما لغاية ما أصفي البضاعة كلها».«الإقبال على شراء حلاوة المولد هيفضل موجود، لأن دي مناسبة مهمة وروحانية وطقس الناس اتعودت عليه»، كلمات بدأ بها أحمد حمدي أحد الباعة، حديثه، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما يعرف باسم «الموضة» في المهنة، لكن الأمر عبارة عن دمج أصناف مع بعضها مثل الملبن مع الفول، وجوز الهند مع المكسرات: «السنة دخلنا أنواع جديدة زي مثلا الرولز فسدق، بتبقى عبارة عن جوز هند على شكل رول عليه فسدق، وفي لديدة بالشكوبون».
تبدأ الأسعار للجملة من 55 جنيها للدومية وأعلى صنف هو الملبن الحبل بـ170 جنيها، والفوليه والسمسية والحمصية من الخمسينات فيما فوق: «كل حاجة وفقًا لطلب الزبون، هو عايز يشكل علبة عبارة عن إيه، ومفيش حاجة بتتبقى منا، ولو اتبقى حاجة بتبرع بيها لوجه الله، إحنا مبندورش على مكسب على أد راحة الزباين وإنهم يفرحوا أولادهم بيها».