على خطى أبيه وجده، يجوب العشريني «سيد محمد» شوارع الجيزة، وهو يحمل إبريقا نحاسيًا صُنع خصيصًا لبيع العرقسوس، محاولًا الاحتفاظ بالزي الشعبي التقليدي الذي تعود بائع العرقسوس أن يرتديه، منذ عقود طويلة في أحياء مصر القديمة، ويُثبت بين أصابع يده الصاجات النحاسية مُحدثًا بها النغمة التي اعتادت آذاننا سماعها بمروره.
حفاظ «سيد» على ارتداء الزي التقليدي لبائع العرقسوس
«ورثت المهنة أبًا عن جد»، كما روى «سيد» لـ «»، إذ تعود أصوله إلى محافظة سوهاج التي يذهب إليها من حين لآخر لزيارة أهله، متابعًا أن جده قرر منذ عقود طويلة أن يترك بلدته، ليرتدي زي بائع العرقسوس متجولًا به في شوارع القاهرة، ويتكون هذا الزي من البنطال الواسع الذي يعرف باسم السروال، ويغطي الرجل بداية من السرة، ويكون فضفاضًا ليساعده على الحركة بسهولة، وفي الجزء العلوي يرتدي قميصًا بأكمام طويلة: «زمان كام فيه صديري بيتلبس فوق القميص.. بس مبلبسهوش علشان بيخنق في الصيف»، حسب حديث سيد، بالإضافة إلى ارتدائه غطاء الرأس المتمثل في العمة أو الطاقية.
واستكمالًا لمكونات الزي، يرتدي سيد حزاما جلديا عريضا حول وسطه، ليثبت عليه درج نحاسي به الأكواب الزجاجية، وأبريق ماء بلاستيكي يغسل به تلك الأكواب أول بأول: «القدرة النحاسية إللي على ظهري هي أصعب حاجة في الشغلانة.. حمل تقيل بس خلاص أتعودت»، إذ لصق هذا المشهد بمزاياه وعيوبه في ذهنه منذ بلغ الثامنة من عمره عندما كان يتجول مع والده وهو يبيع العرقسوس.
التجول في شوارع الجيزة حتى غروب الشمس
تساعده زوجته كل صباح في إعداد مشروب العرقسوس وصبه في الوعاء النحاسي، ومن ثم حمله على ظهره، لينطلق منذ العاشرة صباحًا متجولًا بين شوارع الجيزة بالقرب من محل سكنه، ليقرر العودة إلى منزله مع غروب الشمس، وعن صعوبات المهنة روى أنه قد تأتي عليه أيام وأسابيع، وقد تصل لشهور دون أن يتمكن من تغطية مصاريف معيشته هو وأسرته: «شغلانة مفيش توقع فيها.. يوم فيه فلوس ويوم لأ».
استبدال مشروب العرقسوس بالتمر
وبالرغم من تلك الصعوبات المادية، إلا أن سيد لم يفكر يومًا في التخلي عنها حفاظًا على تراث أبيه وجده: «عندي 4 عيال، لما الدنيا بتزنق معايا أصحاب وأهلي في البلد بيساعدوني أكمل الشهر»، واستجابة لمتطلبات الوقت الحالي، ورغبة منه في إقبال المزيد للشرب من قدرته النحاسية، يستبدل مشروب العرقسوس بالتمر في بعض الأوقات: «الناس إللي بتحب التمر أكتر»، كما يضطر في الشتاء أن يُحول قدرته لبيع البليلة بدلًا من التمر والعرقسوس، لأن الإقبال على المشروبات المثلجة يقل كثيرًا في فصل الشتاء، حسب وصفه.
«اللف في الشوارع من صغري فهمني الدنيا بدري»، إذ ساعده عمله في الشارع أن يتقن فهم الناس من نظرة أعينهم، ويتوقع تصرفاتهم قبل الحديث، وتمنى سيد في نهاية حديثه ألا تجبره ظروفه المادية على التخلي عن مهنته المتوارثة يومًا ما، باحثًا عن عمل يُدر عليه دخل أكبر يُمكنه من تربية أبنائه وتعليمهم تعليم جيد: «مش متخيل اني في يوم أرجع البيت من سكات من غير ما أعمل دوشة بالصاجات، إللي بتعرف ولادي إني جيت».