أطفال يشاركون فى حصاد القمح
تتوارى ملامحه البريئة خلف كومة من القمح استقرت على كاهله الصغير، تلمع عيناه فرحًا بالخير الوفير، بينما تتلألأ السنابل الذهبية تحت أشعة الشمس إيذانًا بانطلاق موسم الحصاد.
على مقربة منه طفل يصغره ببضع سنوات، جاء مع والده لمساعدته فى العمل، لكن طفولته تغلبه أحيانًا، يلهو بحبات القمح وكأنه بين كثبان رملية، وعلى وجهه تستقر ابتسامة مشرقة تتعارض مع مهام العمل الشاقة فى غيطان «الغربية».
مشهد مهيب.. مساحات شاسعة تتزين بسنابل صفراء حان قطافها، ورؤوس تتصبب عرقًا جراء العمل من شروق الشمس حتى غروبها، بعضها لأطفال شبوا على حب الفِلاحة، واكتسبوا مهاراتها وخبراتها، وينتظرون موسم حصاد القمح تحديدًا للعمل والرزق .. واللعب خِلسة.
المزارع الصغير
أحمد عبده، لم يكمل عامه الـ15، ويتقاسم العمل الشاق مع والده بدءً من الرابعة فجرًا فى عزبة «أبودراع» بمحافظة الغربية، لجمع الحبوب فى أكوام تسمى «الجرن»، وتركها بضعة أيام حتى تجف، لتبدأ بعدها مرحلة الـ «دراس»، لفصل القمح عن القش .. يحكى المزارع الصغير أنه تعلم المهنة فى سنواته الأولى، حين كان يصطحبه والده إلى الحقل، يعمل قليلًا ويلهو كثيرًا، حتى اكتسب الخبرة، وبات والده يترك له المهام الأكبر من العمل، يؤديها دون الشعور بكلل أو ملل.
حصاد ولعب
«من المصنع للغيط»، هكذا تكون رحلة أحمد الحديدى، اليومية لحصاد القمح مع والده، فرغم صغر سنه يصطحبه والده إلى الأرض الزراعية فى موسم الحصاد، لمساعدته على انهاء المهمة التى تستمر لقرابة الأسبوع، «أبويا علمنى، وبشتغل معاه فى أرضنا، وبياخدنى أساعد كمان فى أراضى أصحابه فى القرية، خاصة فى موسم الحصاد، وبفرح بالشغل رغم التعب».
لم يفضل عبده الحديدى مهنة الفِلاحة لأبنائه، ومن بينهم «أحمد»، إنما ألحقهم بأحد المصانع، حتى لا يعانوا مثله فى العمل، ويفنون حياتهم فى مهنة شاقة، لكن الوضع يختلف فى موسم الحصاد خلال شهر مايو من كل عام، يصطحب صغيره معه لجمع سنابل القمح، واللهو فى «الجرن»، والفرحة بالمحصول الأكثر طلبًا فى بيوت القرية والجمهورية عامة.
يحكى «الحديدى» أن حصاد القمح يحتاج إلى عمالة كثيرة ومتنوعة، فتوزع المهام المختلفة على الرجال والسيدات وأيضًا الأطفال، يؤدى كل منهم عمله بكد واجتهاد، مرددين أغانى الحصاد المتوارثة، بينما لا تقوى بعض السيدات على مواصلة العمل من شدة التعب وحرقة الشمس، يغادرن الحقل ويعدن بنشاط جديد فى اليوم التالى.
الذهب المنثور
«كأنة يوم العيد» هو شعور أسرة محمد على عبدالحميد فى موسم حصاد القمح، خاصة طفلاه «على ومحمد»، ١٣ عاما، اللذان اعتادا الذهاب إلى الأرض بصحبة والدهما لحصادها، بينما تبدأ مهمة الأم والسيدات عشية ليلة الحصاد، بتجهيز الأكل للرجال، لينعموا به بعد يوم عمل طويل.
ذهب «محمد» إلى الحقل لأول مرة وهو لم يكمل ٥ سنوات، وفقا لرواية والده: «كان بيقولى انا جاى معاك يا بابا، وفرحته عندى بالدنيا»، ومن وقتها يداوم على الذهاب للأرض، وبات ملما بكافة أسرار الزراعة وخبرتها.
فى التاسعة صباحًا، يذهب «على ومحمد» إلى الحقل برفقة الوالد لحصاد القمح، المحصول الأهم لهم جميعًا، ليس لعائده ومكاسبه، وإنما لمكانته فى قلب أى فلاح «حاجة ربانية»، ويستمر العمل لـ٥ ساعات أو أكثر قليلًا، فرحين بـ«الذهب المنثور».