الآلاف يقفون وأعينهم مليئة بالتحفز والإصرار، الكل لا يفكر سوى في الحصول على المراكز الأولى في السباق السنوي، وبينما الجميع يفكر في إنهاء السباق هناك شابا واحدًا يقف بينهم ولكنه مختلفًا عنهم، إذ يحمل خلف ظهره حقيبة غريبة الشكل لا تحوي بداخلها زجاجات مياه أو مناشف أو بعض الأشياء التي ربما يحتاج إليها العداء في المعتاد، بل كانت تحمل إسطوانة أكسجين يتفرع منها أنبوبًا رفيعًا يضعه «ديفين» على أنفه باستمرار كي يستطيع التنفس، حيث وضع الشاب هدفًا مهمًا رغم صعوبته وهو المشاركة في ماراثون لندن 2022، ولا يهمه الفوز بل فقط ممارسة الرياضة.
قبل نحو عامين، اكتشف ديفين هالاي صاحب الـ37 عامًا، إصابته بمرض في الرئة يعرف باسم «IDl»، ويسبب تسيبًا في الرئتين ما يؤدي لصعوبة شديدة في التنفس وتوصيل الأكسجين لمجرى الدم، فرغم كونه رشيقًا ورياضيًا من الدرجة الأولى وكان يجري نحو 10 أميال أسبوعيًا، إلا أنه عانى من نوبات سعال متكررة بعد قيامه بأبسط المهام وذلك في عام 2019، وفي 2020، أخبره الأطباء بأنه يعاني من مرض الرئة وتلقى العلاج في وقت متأخر بسبب عمليات إغلاق كوفيد 19 التي كانت منتشرة في تلك الفترة.
مرض الشاب والاستعانة بخزان أكسجين
يحكي «ديفين» أنه خضع للعلاج الكيميائي للسيطرة على المرض، واضطر في العام الماضي للاستعانة بخزان أكسجين كي يستطيع التنفس، ورغم خطورة حالته إلا أن حبه للرياضة تغلب على ما أصابه، ليتقدم بطلب للمشاركة في ماراثون لندن 2022: «قررت منذ 6 أشهر المشاركة في الماراثون لأني أحب الجري والمشي أيضًا، ولكن لي هدفا آخر وهو جمع الأموال لجمعية الربو والرئة الخيرية، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن جرى تجميع أكثر من 15 ألف جنيه إسترليني»، بحسب حديثه لصحيفة «مترو» البريطانية.
رغم خطورة حالته الصحية، إلا أن الشاب الثلاثيني أصر على المشاركة بالماراثون الذي بدأ اليوم ويضم أكثر من 40 ألف متسابق: «على الرغم من أنه ليس من السهل تغطية مسافات طويلة بخزان أكسجين يظن 7 كجم، لكني كنت أقول لنفسي استمر»، وبالفعل، شارك الشاب اليوم في السباق وبجانبه 3 مساعدين، ويصل طول الطريق الذي عليه إنهائه إلى 26 ميلا، ووظيفة من معه مساعدته على ملء خزان الأكسجين باستمرار: «لا أريد الجري بل المشي، وأخطط للانتهاء من السباق في 8 ساعات، ولدي الدافع لإنهائه، وهو عبور خط النهاية لمساعدة المرضى».
«ديفين»: أحلم بلحظة عبور خط النهاية
كان «ديفين» عداءً شغوفًا، وشارك بالماراثون في عام 2019، واعتاد التدريب في جلسات خاصة بصالة الألعاب الرياضية، وبينما كان يصعد الدرج للحاق بالقطار في منطقة هارو بالعاصمة البريطانية لندن، ذات يوم، شعر بألم شديد في صدره ولم يكن يستطيع التنفس جيدا، ولكنه اعتقد أن الأمر شيء عارض وسيزول مع الوقت، ولكن الألم تكرر، وتأخر تشخيصه بالمرض وعلاجه أيضًا بسبب جائحة كورونا: «لا يوجد علاج لمرضي، لذلك كل ما يمكن للأطباء فعله هو إعطائي العلاج الكيميائي والمنشطات ومثبطات المناعة لمحاولة تثبيت وظيفة الرئة لإبطاء تقدم المرض، واقترح بعضهم استخدام الأكسجين عندما أمارس الرياضة، ما منحني الفرصة للمشي والذهاب إلى الجيم».
«المشاركة في الماراثون حلمي قبل أن أعلم بإصابتي بالمرض المناعي، وعندما علمت بإقامته هذا العام، أدركت أنها قد تكون فرصتي الأخيرة، لأنه مع مرور الوقت قد تزداد حالتي سوءًا، كنت أرغب أيضًا في جمع الأموال لصالح الجمعية الخيرية التي ساعدني عندما جرى تشخيصي، ومساعدة الآخرين الذين يعانون من أمراض الرئة»، اضطر الشاب لشراء حقيبة ظهر وصنع بها ثقوبًا للتهوية ووضع فيها خزان الأكسجين الثقيل، وبدأ في التدريب على الماراثون في أبريل 2022 وسط دعم من الجميع وعلى رأسهم زوجته «شيتال»: «لا يهمني ما إذا كان الأمر يستغرق مني طوال اليوم أو أنهي السباق خارج الوقت المحدد بسبع ساعات للحصول على ميدالية، أنا فقط مصر على إنهائه، وهدفي أن يفعل الأشخاص ما يريدون ويحبون دون النظر إلى العوائق، وأحلم بلحظة عبور خط النهاية».