في السابعة من مساء الأحد الماضي، كانت المخرجة اللبنانية ريما الرحباني في طريقها إلى منزل والدتها المطربة الشهيرة فيروز، قطعت شوارع بيروت المزدحمة بإعلانات حفل «ليلة الأمل»، المقرر انطلاقه خلال دقائق، لم تشغل بالها بتلك الإعلانات لأن منظم الحفل هو المؤلف الموسيقي أسامة رحباني ابن عمها، كانت تدير عينيها عن الإعلانات وكأنها تخشى أن تعطل وصولها إلى منزل والدتها.
وعبرت ريما الرحباني بوابة المنزل، في السابعة وعشرين دقيقة، واخترقت مساحات الخضرة، ثم عبرت بابا خشبيا من طراز قديم، وكذلك الممرات الصغيرة المؤدية لغرفة والدتها حتى أصبحت المسافة بينهما بضع خطوات، لكن أيقونة الغناء العربي لم تنتبه لوصولها، فكانت هائمة في وصلة غزل صامت مع وردة حمراء، كانت تمسكها بكلتا يديها.. وكأنها طفلا صغيرا تهدهده.. تناغيه بالنظرات، تتحدث إليه دون كلام، فرغبتها في الكلام أصبحت قليلة هذه الأيام.
جلست فيروز على مقعد خشبي صغير بجوار شباك يطل على الحديقة، مالت بجسدها لتحيط بوردتها، وكأنها تخشى أن يتسرب إليها الهواء من النافذة فيصيبها بأذى، ثم وضعتها في فازة صغيرة، لتجاور وردة أكبر منها حجما، لكنها أقل بريقا منها في اللون.
أحدث صورة لـ فيروز
اكتفت ريما رحباني بمراقبة المشهد، تمنت لو كان بإمكانها أن تطيل عمر هذه اللحظات، كانت تدرك أن والدتها بحاجة إلى أن تحلق بعيدا عن الأجواء المحيطة بها، لا ترغب في متابعة الأخبار لأن قلبها لم يعد يقوى على تحمل المزيد من الألم، وعقلها يتمسك بتفاصيل وردية قديمة، ولم يعد يستوعب كم التزييف والتشويه الذي يحاصر مملكتها الخاصة، وعيونها لم تعد تحتمل غبار أقدام من لا يحترمون قواعد السير في دروب حياتها، وأذنها الوسطي لم يعد يطربها كلمات المدح، بعد أن تأذت من صراخ الراغبين في الاستيلاء على إرث أبنائها.
استقرت الوردة الحمراء في مخدعها، وجلست فيروز تحيطها بناظريها، وكأنها تراقب طفلا يغفو، وما أن اطمئن لحاله.. أدارت وجهها لتلقي بابتسامتها صوب ابنتها التي كانت قابضة على هاتفها، توثق حكاية جديدة لفيروز مع وردة حمراء.
مر الوقت سريعا رغم الكلمات القليلة التي تبادلتها الأم وابنتها، هكذا هي لقاءتهما؛ عابرة وكثيرة، وكلاهما تحكي وتبوح بأشياء كثيرة وكلمات قليلة.
أزمات عائلية على مسرح الرحبانية
خرجت ريما الرحباني من مملكة فيروز الهادئة، لتواجه الظلام الذي يخيم على شوارع بيروت، وأكثر ما أحبته في هذا الظلام أنه أعانها على التركيز في رحلتها، وتجنب النظر لإعلانات حفل ليلة الأمل؛ فهي لا ترغب في التفكير بالأمر، ليس بسبب خلافاتها مع أبناء عمها، بل لأن الحفل يقام على مسرح الرحباني، الذي كان بمثابة منارة تضيئ ليالي العاصمة اللبنانية بفعل صوت السماء المنساب من حنجرة فيروز ممزوجا بموسيقى عاصي ومنصور الرحباني، ومن بعدهما شقيقهما الأصغر إلياس رحباني.
كانت ريما الرحباني تحاول تجنب التفكير في الحفل؛ لأن الحديث عنه يدفعها للماضي المشحون بخلافات عائلية تحولت إلى جراح ترفض أن تلتئم، لذا فضلت أن تدير ظهرها لكل ما من شأنه أن يجرها إلى الحفل حتى لو كان حديث عابر على مواقع التواصل، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي الابنة المحملة منذ سنوات بمشاعر الغضب لإهدار حقوقها والدتها.
حقيقة خلافات ريما الرحباني وإليسا
بعد يومين من بث وقائع حفل الأمل، أطلت ريما رحباني على متابعيها عبر موقع فيس بوك لتعلن عن غضبها مما جرى في الحفل، قائلة إنها كانت تتمسك بحالة السلام النفسي التي تعيشها، وتتجنب كل ما ينال من حالتها الإيجابية، لكنها وجدت من يقتحم حساباتها على مواقع التواصل، ويدفعها لسماع إليسا وهي تؤدي أغنية والدتها «حنا السكران»، وظلت الابنة تقاوم ليومين، وفي اليوم الثالث بدأ بركان الغضب ينفجر.
وانتقدت ريما الرحباني الحفل لأنها اعتبرته بمثابة إعلان من أسامة الرحباني عن استحواذه على الإرث الفني للرحبانية، وترسيخ صورة إعلامية بقدرته على المنح والمنع والتصرف منفردا كيفما يشاء ووقتما يشاء، واعتبرت أن إليسا كانت مظلومة، لأنها مجرد أداة فنية لتوصيل الرسالة، ولا تلام على أدائها المنقوص لأن سببه غالبا أنها لم تتمرن على الأغنية جيدا، وهو ما جعلها تخطئ في إحدى الجمل، وتقول «يبقى حنا السكران قاعد خلف الدكان عم يزبط بنت الجيران»، بينما كلمات الأغنية الأصلية «يغني وتحزن بنت الجيران».
انتقادات وغضب ريما الرحباني في فضاء صفحتها على موقع التواصل، كانت تظنها فضفة بين أشخاص بعضهم أصدقاء حقيقيين أو إلكترونيين والآخرين متابعين لصفحتها الشخصية، لكن بعض الردود تضمنت تجاوزات، وتطور الأمر ليتحول إلى معركة، وشعرت الابنة أن هناك من يحشد أنصاره في وسائل الإعلام ومواقع التواصل ليحبس كلماتها في خانة الرغبة بالانتقام المبني على حقد شخصي، وذهبوا إلى أنها لا تمثل فيروز من الأساس، معتبرين أن الصلة بينهما مقطوعة على عكس ما تدعيه الابنة.
وفي صباح أمس السبت، قررت ريما الرحباني حسم الأمر، وإسكات الجميع دون أن تتكلم هذه المرة، اكتفت بنشر صورة للأسطورة التي يشتاق لها الملايين مع الوردة الحمراء، يتوسطها جملة بحروف إنجليزية ملونة بالأحمر «بواسطة ريما رحباني».