لأعوام طويلة ظل المخترع سامي جرجس خائفاً من مياه البحر، قدمه لا تطأها حتى ولو على سبيل التجربة، وأثناء رحلة لزيارة أديرة الإسكندرية أجبره أصدقاؤه على مشاركتهم السباحة في البحر والاستمتاع بالأجواء الساحلية، فاضطر أن ينزل المياه دون أن يتحرك، وفي ظل عدم حركته رصد حركة الأمواج واكتشاف طاقتها ليتحول الخوف إلى تحقيق حلم كان يراوده قبل الرحلة بعام في 2013، فاكتملت في ذهنه فكرة اختراع جهاز لـ«تحلية مياه البحار» ويتغلب على التغيرات المناخية ومن ثم تحقيق التنمية المستدامة «فكرت في طريقة تدي حركة دائرية في اتجاه واحد لتوليد الكهرباء بنفس طريقة عمل السخان».
تعمل «المحطة» على توليد الكهرباء وتحول المياه المالحة إلى ماء عذب مقطر والاحتفاظ بالملح داخل الخزان دون أن تعود منه ذرة واحدة إلى البحر للحفاظ على عدم زياد ملوحة البحر والتلوث البحري والثروة السمكية، كما يعمل الجهاز كمصدات للأمواج ويمتص صدماتها فيحميها من التآكل، ويتغلب على ارتفاع منسوب البحر الناتج عن ذوبان الجليد وتوليد طاقة متجددة وتحقيق التنمية المستدامة في الزراعة والصناعة، حسبما ذكر «جرجس» لـ«»، مؤكداً أنها تقلل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وتحافظ على طبقة اﻷوزون وبذلك تنخفض درجات حرارة الجو ويتوقف ذوبان الجليد وتنقذ الكرة اﻷرضية من التغيرات المناخية.
منذ اكتمال الفكرة في ذهنه عرضها المخترع سامي جرجس على الدكتورة نادية زخاري وزيرة البحث العلمي السابق، فساعدته في تحقيقها، وسار في رحلة استمرت لـ4 سنوات بدأت في عام 2015، قاطعاً خلالها مئات الكليومترات سفر ذهاباً وإياباً من بلدته بإحدى قرى محافظة سوهاج إلى القاهرة، متحملاً مشقة السفر وتكاليف الإقامة والانتقال والإنفاق على اختراعه رغم ظروفه المادية المتواضعة، قاصداً أكاديمية البحث العلمي التي منحته براءة اختراع حملت رقم 29213 في الـ19 من مارس 2019.
حصل على براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي عام 2019
طيلة تلك الأعوام عاش «جرجس» حلم المخترع الذي حقق المعضلة للتغلب على مشكلة «التغيرات المناخية» التي تمس العالم كله، لكنه بمجرد حصوله على براءة الاختراع اختفى هذا البريق «كنت فاكر نفسي هاكون حاجة تاني زي زويل ومجدى يعقوب» فما حدث عكس ذلك تماماً «صمت رهيب لا حد سأل ولا فكر يتبنى المشروع وينفذه»، ورغم أن مجلة جورنال الأمريكية التابعة لهيئة «جويدي للاختراع والتنمية والاستثمار» نشرت الاختراع في عددها السابع الصادر في سبتمبر 2021، وتبنته وزارة الإنتاج الحربي خلال معرض ومؤتمر «مبتكري الجنوب 2 عام 2019»، الذي أقيم بجامعة سوهاج وتم تكريمه ومنحه درع الابتكار والتميز، إلا أنه وبعد مرور 3 سنوات لم يتخذ أي إجراء حياله «حصلت على المركز الأول وللأسف الشديد بعد المؤتمر وصلنا لطريق مسدود والمحصلة صفر».
«جرجس»: الاختراع يفيد العالم كله
يناشد «جرجس» المسؤولين بتبني وتنفيذ اختراعه لكونه مشروعا قوميا وعالميا، وطرحه في قمة المناخ التي تعقد بشرم الشيخ «الاختراع محور مهم للمساهمة في حل مشكلة التغيرات المناخية والتلوث البحري وحماية الشواطئ.. وأتمنى أشارك في المؤتمر»، موضحاً أنه أنفق عليه الكثير من الأموال ليصبح في شكله النهائي ويتم الاستفادة منه، فضلاً عن مجهوده «صرفت عليه كل ما أملك ومش عايز مجهودي وتعبي يضيعوا»، كما يطالب الشركات المصرية المتخصصة والهيئة الهندسية بتبني الاختراع لتنفيذه على أرض الواقع.
حصل جرجس على مؤهل متوسط «دبلوم صنايع قسم كهرباء» عام 1994، وعمل منسق محو أمية في مكتب «كاريتاس» سوهاج، واجتاز 3 دورات تدريبية من معهد «السالزيان اﻹيطالي دون بوسكو» بالقاهرة، يعمل فى مجال الزراعة لكنه لا ينفصل عن المجال الذى تخرج فيه، فاستفاد من الخبرة التى اكتسبها من دراسته للكهرباء بمدرسة الصنايع واستغلها في اكتشافات جديدة وتطويرها باستخدام مواد بسيطة من البيئة المحيطة به، وخلال أزمة كورونا ساهم في حل مشكلة التخلص من النفايات الطبية وخاصة أدوات المصاب حتى لا تنتقل العدوى فاخترع سلة طبية ذكية ومرحاض محمول يعملان أتوماتيكياً للتخلص من فضلات ومخلفات المصابين، حيث تعمل السلة على حرق المخلفات في درجة حرارة 200 درجة مئوية، وكذلك السلة الطبية تحرق البول والبراز، موضحاً أنها لا تسبب تلوثا بيئيا وليس لها أضرار «شغالة بالكهرباء، ويتم تفريغ محتوياتهم كمخلفات ووقود».