حكايات السوريين المقيمين في مصر
جاءوا إلى مصر بحثا عن الأمن والأمان، تسيطر عليهم مشاعر الخوف والقلق من احتمالية عدم الترحيب بهم أو قبولهم داخل المجتمع، لكنهم فوجئوا ليس فقط بترحيب المصريين بهم، بل بمساعدتهم لتجاوز محنتهم وتوفير فرص عمل لهم ومقار إقامة لحين تحسن أوضاعهم.
هكذا عاش السوريون واندمجوا في المجتمع المصري، لم يؤرقهم طوال السنوات الماضية منذ اندلاع الثورة السورية وتشتت بلادهم سوى قطع المعونة الممنوحة من برنامج الغذاء العالمي عن بعضهم وتخفيضها عن البعض الآخر، لكن يد المصريين كانت ترعاهم وظلت ممتدة لهم بكل ما استطاعت.
«ندى»: أعيش على المساعدات وبرنامج الغذاء العالمي خذلنا
ظلت «ندى» لشهور تمني نفسها بأن ما يحدث هو أمر طارئ سرعان ما سينتهي، وستعود سوريا بلدا آمنا ينعم أهلها بطبيعته الغناء، ولكن مع الوقت كشفت الحقيقة عن وجهها القبيح وهي أن الحرب مستمرة.
قررت ترك «جوبر» إحدى مناطق محافظة دمشق، والتي تعرضت لدمار واسع، والمجيء مع ابنتيها إلى مصر عبر السودان: «أقيم في مصر منذ ثلاث سنوات، بعد أن سبقني والديّ، وعندما جئت كنت بلا أي مورد مالي أو عمل، ومع ذلك وجدت كل الترحيب، فتم مساعدتي في الحصول على مسكن، وتم إلحاق بناتي بالمدارس، وحاليا فقط أبحث عن طبيب لمعالجة ابنتي الكبرى من خلال المساعدات الإنسانية البعيدة عن الشكل الرسمي».
معاناة ندى مع نقص الإعانات من برنامج الغذاء العالمي قاسية بحسب وصفها، في ظل غياب أي عائل لأسرتها، حيث توفى زوجها قبل مجئيها لمصر، كما أن والديها أعمارهم تتجاوز الـ70 عاما، وغير قادرين على العمل: «تم تقليل حصتي في السلال الغذائية، أما أبي وأمي فقد حاولنا على مدار ثلاث سنوات إضافتهم إلى برنامج الغذاء العالمي أو ما يطلق عليه كارت كارفور – فتح الله، للحصول على سلال غذائية تعينهم على مشاق الحياة لكن بلا جدوى، ولا أعرف ما الذي أفعله، خاصة أني غير قادرة على العمل بسبب مرضي، وبالتالي تلك المساعدات الغذائية توفر لي إطعام ابنتيّ، كما أن الإعانة مهمة بالنسبة لي لأن ابنتي الكبرى تحتاج إلى إجراء حراجة طبية عاجلة حتى لا تصاب بشلل».
تشير «ندى» إلى أن العمل الإنساني في مصر غير الرسمي أي من الناس العادية، والمنظمات الخيرية، هو ما ساعدها على مقاومة ظروفها الصعبة، على عكس المتوقع، بعد أن كانت تظن أن منظمة الغذاء العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي التي ستقدم لها العون باعتبار أنها لاجئة.
فبعد إصابتها بمرض في فقرات ظهرها، جعلها غير قادرة على الحركة أو العمل، لم تتوقف المساعدات أو الدعم النفسي والإنساني من قبل الجيران والأصدقاء المصريين، «أول عيد لنا في مصر، كان عيد الفطر، ولم يكن بحوزتي أي مال لأشترى ملابس العيد لبناتي، وبالفعل أقلمت نفسي على الوضع مع شعوري بالعجز عن فعل شيء لابنتيّ، ولكن جيراني وأصدقائي كان لهم رأي آخر، فوجدتهم ينظمون لنا مفاجأة وهي صندوق من الملابس والألعاب لبناتي سيدرا وسارة، وحتى في مدرسة الملك فهد بمساكن الشروق، حيث التحقت ابنتيّ، تطوع بعض المدرسين هناك مثل مدرس اللغة العربية وبدأ يعطيهم دروس خاصة بالمجان».
شمس القمر: نعتمد على مساعدات المصريين الشهرية
رغم الهموم التي تحيط بها من كل جانب، تبتسم السورية الثلاثينية «شمس القمر»، فخلال 10 سنوات هي مدة إقامتها في مصر، لم تر إلا المعاملات الطيبة من أهلها، فضلا عن المساعدات التي تُقدم لها بشكل دوري خلال الأعياد والمناسبات، كمحاولة لتخفيف الأعباء عليها.
«بعد وفاة معظم أفراد عائلتي في الانفجارات في الغوطة، دعوت الله كثيرا أن ينقذني مع عائلتي الصغيرة المكونة من زوجي وابنتي وابني، فقد كسر قلبي مشاهد الموت المفرطة التي ننام ونستيقظ عليها، واستجاب الله لدعائي بإقامتنا في القاهرة، وبدء حياة جديدة، رغم أنها خالية من دفء وارتباط الأسرة، فنحن نعيش وحدنا تقريبا، إلا إن جيراننا من المصريين كانوا أكبر داعم لنا، من خلال توفير الدفء لنا بسؤالهم علينا دوما، وتوجيهنا إذا أردنا استخراج أوراق أو البحث عن شيء»، تقولها «شمس» بحالة من الشجن، بينما تعد الغذاء البسيط المكون من «مرق وأرغفة خبز» في منزلها الصغير في التجمع الخامس، استعدادا لعودة أبنائها من المدارس.
بعد قطع المعونة عن عائلة «شمس»، شعرت بأن الأرض زلزلت تحت قدميها، فابنها الأكبر في الصف الثالث الثانوي، أما ابنتها في الصف الثاني الإعدادي، وكلاهما يحتاجان إلى دروس خصوصية لمواصلة تعليمها: «اضطررت إلى البحث عن عمل، لأن إيجار الشقة، ومصروفات المدرسة، والدروس الخصوصية الخاصة بأبنائي، كلها بمثابة حمل سيقصم ظهر زوجي الذي لم يجد وظيفة سوى عامل، فنحن مثلا لا نأكل اللحوم أو الطيور إطلاقا منذ مجئينا إلى مصر سوى في ما يتم توزيعه علينا من قبل المصريين خلال مناسبات رمضان، والعيد الصغير والكبير، وبعض المناسبات الدينية الأخرى، ولكن غير ذلك لا تدخل بيتنا إطلاقا، وقطع المعونة منذ شهرين جعل بيتنا في حالة طوارئ لا تنتهي، وزاد الأمر سوءا».
أمل عبد المولى: أهل الخير ساعدوا ابنتي على استكمال دراستها
مع قدومها إلى مصر برفقة زوجها وابنتيها، سكن قلب أمل عبد المولى الأمل، وبدأت ترسم خطوط حياة مستقرة، بعيدا عن آثار الدمار والقصف التي شهدتها بلدتها حماة، ودفعتها للهروب منها خوفا على حياتها.
«جئنا في 2013، لم يكن معنا أي شيء سوى الملابس التي نرتديها، والمعونة التي نحصل عليها، والمرتب الضئيل الذي يحصل عليه زوجي من عمله في أحد مصانع الألومنيوم في منطقة أكتوبر، وأشهد أنني وجدت معاملة حسنة، لم أكن أتوقعها، ومحاولات جادة من الكثيرين للتخفيف عني وعن بناتي»، كلمات أمل، 42 عاما، عن شكل حياتها بعد استقرارها في منطقة «بيت العيلة» بمدينة السادس من أكتوبر.
بعد وفاة زوج «أمل» متأثرا بمرض الفشل الكلوي، زادت المسؤوليات الملقاة على عاتقها، فكان عليها توفير المال للإيجار والطعام، إلى جانب مصروفات الدراسة الخاصة بابنتها الكبرى: «اعتمدت على الله، وعلى المعونات، وحاول أهل الخير مساعدتي، فقدموا لي منحة مالية صغيرة، حتى تكون لي عونا في الإنفاق على ابنتي الصغيرة التي لا تتجاوز 5 أعوام، بالإضافة إلى ابنتى الكبرى 12 عاما».
كان انقطاع المعونة بحسب «أمل»، بمثابة سهم قطع حبل أملها، فالمعونة التي تبلغ 1200 جنيه، كانت تساعدها كثيرا، ولا تجعلها تلجأ إلى طلب المساعدات من أحد: «حاولت التواصل مع بعض المسؤولين من المفوضية بلا جدوى، كان الأمر بالنسبة لي مربكا، فكيف تكون المؤسسات الرسمية المنوط بها خدمتنا ودعمنا هي من تتخلى عنا بهذا الشكل، والمؤسسات غير الرسمية وأهل الخير من المصريين هم الذين يتولون مساعدتنا، وتقديم كل وسيلة ممكنة لدعمنا».
وضربت «أمل» مثالا بأحد الجمعيات الخيرية المصرية التي قدمت فيها طلب، لتوفير معونة لها، حتى تستطيع استكمال ابنتها الدراسة، ولا تترك التعليم، بالإضافة إلى جمعية أخرى تحضر فيها بشكل دوري، وتقدم لها مع سيدات سوريات دعم نفسي لتجاوز آلام النزوح: «حاليا ما أحصل عليه من المفوضية هو بعض المعونات الغذائية، فأقوم ببيع كمية منها، وبالمال الذي أحصل عليه أنفق على نفسي وأطفالي، بالإضافة إلى الدروس الخصوصية المهمة لابنتي، الباقي نتناوله أنا والأطفال».
«نور»: الإعانة انقطعت وزوجي يبحث عن عمل
نور غسان، 28 عاما، إحدى السوريات التي تقيم في مصر منذ فترة طويلة، وتعتمد على تلك المساعدات لكي تسير عجلة الحياة مع زوجها: «جئت إلى مصر منذ 8 سنوات، هربا من الدمار في سوريا، وبعدها لم استطع مواصلة تعليمي، بسبب الظروف المالية، وعدم الاستقرار، فكنت اعتمد بشكل أساسي على المساعدات، مع أسرتي، خصوصا أنني لم أجد عملا مناسبا لي».
بعد زواجها، استمر اعتماد «نور» على المساعدات أيضا، خصوصا أن زوجها ليس لديه عمل مستقر «أزرقي»: «المساعدات كانت تصل إلى 1200 جنيه، نأخذ بها طعام يكفيني أنا وزوجي وابني الصغير الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات، وبعد انقطاعها من خلال رسالة نصية من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على الهاتف المحمول، لا أعرف ماذا سنفعل؟!، خصوصا أني حامل، وليس لدينا مورد سوى زوجي الذي يعمل حسب الظروف».