صوت بعيد منبعث من مذياع قديم لكوكب الشرق أم كلثوم، يصحبك للعودة بالزمن عقود ماضية، كان مصدره محل الترزي «فايز عبد العظيم»، صاحب الـ68 عامًا، الذي لم يتغير شيئًا في طقوسه اليومية منذ 50 عامًا، إذ تعود أن يستيقظ باكرًا مع شروق الشمس، ويتناول فطوره مع زوجته، حتى يستعد للذهاب إلى محله المتخصص في تفصيل البدل الرجالي بحي الهرم، منذ ستينيات القرن الماضي.
بداية عمله في مهنة التفصيل
«بدأت في المهنة دي من وأنا عندي 11 سنة».. حسب رواية فايز لـ«»، إذ أراد والده أن يضمن له مستقبل جيد، بعيد عن مهنة الفلاحة، التي توارثها عن أبائه وأجداده، وأختار لأبنه فايز أن يترك أسرته المقيمة في محافظة المنوفية، ليستقر للعمل في القاهرة مع عمه في مهنة التفصيل: «أبويا كان راجل شديد وأجبرني أشتغل في السن ده».
في محل عمه بحي عابدين، تعلم أصول مهنة التفصيل على عدة مراحل حتى أتقنها ببلوغه الـ18: «كانت الشغلانة جديدة عليا بس أتعلمت كل حاجة»، إذ تعلم كيفية رسم «باترون» الموديل، ومن ثم قصه حتى خياطته على الماكينة، فضلًا عن اختيار نوع القماش المناسب لكل موديل يفصله.
تخصصه في تفصيل البدل الرجالي
«متخيلتش أكون معروف في المهنة إللي اتجبرت أشتغلها»، فبعد تشربه للمهنة وإتقانه لكل خطواتها، قرر أن يفتتح محله الخاص في حي الهرم في بداية العشرينات من عمره، وتخصص في تفصيل البدل الرجالي: «البدل هي أصل الصنعة.. الترزي الشاطر هو إللى بيكون متمكن من عمل الجاكيتة والبنطلون»، وضحك فايز متذكرًا بيعه لأول بدلة من صنع يديه بـ 5 جنيهات في الستينيات: «كنت بفصل لكل الفئات ويوم ما البدلة غليت وصلت لـ 25 جنيه في أواخر السبعينيات».
تدهور صنعته لاعتماد الرجال على البدل الجاهزة
«رغم بدائية ماكينات الخياطة، كنت بطلع أحلى شغل أنا والصنايعية».. إذ توالى على العمل في محل فايز، الكثير من الصنايعية، الذين ودعوه بموتهم بعد عشرة طويلة أو بافتتاح بعضهم محلات خاصة بهم: «دلوقت معييش صنايعية.. محدش بيحب يتعلم لأن المهنة صعبة ومفيهاش فلوس دلوقت»، حيث يعتمد الرجال في وقتنا هذا على شراء البدل الجاهزة، حسب وصفه.
«الصنعة خلاص بتنقرض.. عفا عليها الزمن»، كما عبر فايز، حيث لم يطلب أحد منه تفصيل بدلة منذ حوالي 3 سنوات، بما جعل عمله مقتصرًا على تصليح الملابس التالفة: «خلاص أنا في أخر العمر.. وبمجرد وفاتي المحل هيتقفل»، إذ شق أبناؤه الأربعة طريقهم المهني في مجالات دراستهم بالطب والهندسة والتجارة والآداب بعيدًا عن مهنة والدهم.