على الرمال يمشي حافيًا، بلا ثياب أو مظلة متنقلة تأويه من حرارة الشمس، طوله وحجمه لايتعدى عقلة الإصبع، يلهث الماء، فلم يبذل مجهودًا بدنيًا مثل سائر الأطفال، بشرته السمراء وحالته البأساء التي طل بها في صورة التقطت بالصدفة، كانت سببا في أن تذرف قلوب العالم بالدموع، وأن تسال الدماء من غمام الجفون.
امرأة تنحني وترتكز على إحدى ركبتيها، يقف الصغير أمامها بحالته هذا التي توصف بـ«جلد على عضم»، تمسك بإحدى يديها علبة بسكويت، وفي اليد الأخرى زجاجة ماء ترفعها فوق فمه، تروي عطشه الذي يبدو أنه يضعفه منذ خُلق.. تفاصيل مؤلمة تعرضها صورة بسيطة هزت العالم منذ 5 سنوات، تحمل معاني إنسانية لا تُوصف بكلمات، حلوة ومُرة في ذات الوقت.
«أنجا رينجرين لوفين»، دنماركية، تعيش في أفريقيا من أكثر من 10 سنوات، أنشأت مؤسسة خيرية اسمها «Land of Hope»(أرض الأمل)، في نيجيريا بولاية أكوا إيبوم، تعيش حاليًا مع زوجها، صارت درعًا يتصدى للاتهامات الموجهة للأطفال بأنهم سحرة وما يترتب على ذلك من تعذيب ونبذ وقتل آلاف منهم سنويا، وهي ممارسة شائعة في كثير من دول أفريقيا بسبب الخرافات، وهو الحال الذي وجدت عليه الصبي.
كواليس الصورة التي هزت العالم منذ 5 سنوات
تحكي «أنجا» لـ«»، عن صورتها الشهيرة، التي رغم أنها منذ أكثر من 5 سنوات، لا ينساها الناس كعادتهم مع معظم الأشياء: «إنها ليست صورة، إنه مشهد من فيلم وثائقي دنماركي كنا نصوره، لم نكن نعرف ماذا سنجد في ذلك اليوم، تم استدعاؤنا للحضور إلى قرية محلية للنظر في حالة طفل نبذه المجتمع المحلي، متهمين إياه بأنه ساحر».
صدمة رهيبة أصابت «أنجا» وفريقها من شكل الصبي الصغير: «صُدمنا جميعًا عندما رأينا أن الطفل يبلغ من العمر سنيتن أو 3 سنوات فقط وقتها، لم أفكر في المصورين الذين يصورون، ولم يكن لدي سوى شيء واحد في ذهني وهو إنقاذ الطفل وإخراجه من هناك، وعندما انحنيت لأعطي الصبي الصغير بعض البسكويت والماء لم ألاحظ حتى أنه يجرى تصوير هذا المشهد، لأن تركيزي كان بالكامل على إنقاذ الطفل».
كيف أصبح الصبي الصغير الذي أنقذته «أنجا» عام 2016؟
صورة »أنجا» مع الصبي أهلتها لكي تحصل على لقب أكثر شخصية ملهمة في العالم وقتها، من مجلة «التايمز» العالمية، والآن، وبعد 5 سنوات من التقاط هذه الصورة مع الولد الصغير، صار مختلفا تماما، وتقول عنه: «إنه يقوم بعمل رائع، صار قويًا جدا وبصحة جيدة، يذهب إلى المدرسة كل يوم ويحبها، إنه مبدع للغاية ويحب الرسم وصنع الأعمال الفنية، يعيش في مركز الأطفال في أرض الأمل مع 80 طفلاً آخرين وأنا وزوجي ديفيد أيضًا».
اسم الصبي الصغير هو «HOPE»، أطلقته عليه «أنجا»: «HOPE هو اسم وشمته على أصابعي، وهو اختصار جملة تعني: Help One Person Everyday(ساعد شخصًا واحدًا كل يوم)»، وتتابع مؤسسة «أرض الأمل»: «نحن لا نعرف عمره بالضبط لأننا لم نتمكن من تتبع والديه، لكننا نعتقد أنه يبلغ من العمر حوالي 7 أو 8 سنوات اليوم، لا يستطيع HOPE التحدث لأنه أصم، ولكنه ذكي للغاية وتعلم لغة الإشارة، ويريد أن يصبح فنانًا في المستقبل.
آلية عمل مؤسسة «أرض الأمل»
تشير «أنجا» في حديثها إلى أنه «من المهم جدًا أن يعرف الجميع أننا لا نتبنى الأطفال، لم أتبنى HOPE قط، جميع الأطفال الذين يعيشون في أرض الأمل يخضعون لوصياتنا القانونية، نحن القائمين على الرعاية القانونية ونأخذهم أحيانا في زيارات منزلية حتى يزوروا عائلاتهم، فالزيارات المنزلية هي جزء من عملية المصالحة وإعادة الاندماج لدينا ولها تأثير كبير على كفاحنا ضد الخرافات، ومن المهم جدًا الحفاظ على التواصل بين الأطفال وعائلاتهم».
عندما يرى القرويون المحليون التحول المذهل للأطفال في أرض الأمل، يغيرون طريقة تفكيرهم «يدركون أن الأطفال ليسوا سحرة، ورؤية تحول الأطفال الذين نُبذوا يومًا ما وظن الناس أنهم سحرة، يفوض أيضًا مستوى الاحتيال وغسيل المخ الذي يمارسه رجال الدين ومن يسمون أنفسهم بالأطباء السحرة لأولياء الأمور وأفراد أسر هؤلاء الأطفال».