يمثل الاحتفاظ بالمصاحف في المنازل عادة يتبعها العديد من المسلمين حول العالم، بقصد التبرك بها في أرجاء المنزل سواء داخل الغرف أو المكتبات، إذ أحيانًا ما تحتفظ الأسرة الواحدة بعدد كبير من المصاحف يزيد عن حاجتها، وأحيانًا يفضل البعض القراءة في مصحف واحد دون غيره ويترك بقية المصاحف مهجورة دون مسّها لمدة تزيد عن شهور وسنوات.
حكم القراءة في مصحف واحد وترك بقية المصاحف
الدكتور عبد العزيز النجار، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، يقول في حديثه لـ«» يقول إنّه من الناحية الشريعة لا شيء على المسلم أن يقرأ من مصحفٍ واحد، ولا يعد ذلك هجرا لباقي المصاحف الموجودة في المنزل، ولكن في حال تواجد بالمنزل مصاحف زائدة عن الحاجة فـ الأولى أن يُهادي بها من لا عنده أو يضعها في مكان آمن كالمساجد والمكتبات العامة لكي ينتفع بها المسلمون ويعمّ الثواب ويكثر الأجر بالنسبة له أفضل من حبسها لا ينتفع بها هو ولا ينتفع بها غيره.
وأما بالنسبة للأشخاص الذين يحتفظون بالمصاحف في المنزل بقصد البركة، يقول عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، إنّ المصاحف لم تأتِ للبركة، وإنما هو كتاب هداية ودستور حياة، وعلى الإنسان أن يحتفظ بما يتناسب مع حاجته وأسرته فقط، وما زاد عن ذلك فـ الأفضل له أن يتبرع بها، وألا تُحبس المصاحف في المنزل، إذ كلما قرأ إنسان في هذا المصحف كان لصاحبه الأجر والثواب والحسنات.
فضل النظر في المصحف
وكان مركز الأزهر العالمي للفتوى، أشار إلى فضل النظر في المصحف الشريف الذي يحوى بين دفتيه كلام الله تعالى، وقد وردت في فضل النّظر إليه مع التفكر والتدبر آثار منها: ما رواه الرازي في فضائل القرآن وتلاوته (ص: 145) بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدَامَ النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ مَتَّعَهُ اللَّهُ بِبَصَرِهِ مَا بَقِيَ فِي الدُّنْيَا».
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه (2/ 240) بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: «أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ». وبسنده عَنْ يُونُسَ، قَالَ: «كَانَ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ النَّظَرَ فِي الْمَصَاحِفِ».
والقراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب؛ لأنّ النّظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنّظر، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا، وأبو حامد الغزالي وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في الإحياء أنّ كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف” أ. هــ
قال الإمام المناوي في فيض القدير (3/ 459): «والنَّظر إلى المصحف»، أي القراءة فيه نظرًا. ويُستأنس أيضا بما رواه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 509) بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَظُّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ؟ قَالَ: «النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ، وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَ عَجَائِبِهِ»؛ فقرن النظر في المصحف بالتّفكر والاعتبار. فالنَّظر إلى المصحف عبادة بنصّ الآثار الواردة في ذلك، ولكن ينبغي أن يكون مقرونًا بالتّفكر والاعتبار.