يرفع العباد يوميا دعواتهم إلى السماء، بكل ما يجول في خاطرهم ويرجون تحقيقه من الله سبحانه وتعالى، إذ تتنوع الدعوات حسب رغبة كل شخص، بين الشفاء للمرضى، والرحمة والمغفرة للموتى، وسعة الرزق، والذرية الصالحة، وغيرها من الأمنيات المُعلقة بقلوب كثيرين التي يرجون إجابتها من الله سبحانه وتعالى.
دعاء يجمع بين خيري الدنيا والآخرة
وأشار الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية إلى دعاء يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، إذ كان هذا الدعاء هو أكثر ما يقول النبي صلّ الله عليه وسلم في دعائه وهو: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».
وشرح مستشار مفتي الجمهورية نص الدعاء خلال لقاء تليفزيوني على قناة «الناس» أنّ «آتنا في الدنيا حسنة» معناها أعطنا في الدنيا حسنة، و«في الآخرة حسنة» أي أعطنا في الآخرة حسنة، و«قنا عذاب النار» معناها اجعل وقاية وحجاب بيننا وبين النار، ويعتبر هذا هو التفسير السهل البسيط الذي يعرفه عموم المسلمين.
أما في الشرح العميق للدعاء، يقول مستشار مفتي الجمهورية إنّ هذا الدعاء يجمع بين خير الدنيا «اللهم آتنا في الدنيا حسنة» وخير الآخرة «وفي الآخرة حسنة»، إذ تتمثل حسنة الدنيا في الزوجة الصالحة والرضا والقناعة والحب، واتباع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد ورد كل ذلك في تفسير هذه الكلمة.
وقيل في تفسير «وفي الآخرة حسنة» إنّ هذه الحسنة تتمثل في الجنة، أو مرافقة الرسول صلّ الله عليه وسلم، وقيل الرحمة والرضا والسعادة، أما «قنا عذاب النار» معناها يارب أن تدخلنا الجنة من غير سابقة حساب ولا عقاب ولا عتاب، واستدل الدكتور مجدي عاشور بقوله تعالى: «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ».
وأشار مستشار مفتي الجمهورية إلى أنّ الزوجة الصالحة تكون لزوجها جنة في الدنيا، وتكون الجنة هي منبع السعادة في الآخرة، وبهذا نصح بضرورة ترديد هذا الدعاء كما ورد عن النبي صلّ الله عليه وسلم.
ثواب التقرب إلى الله بهذا الدعاء
وكانت دار الإفتاء المصرية، أشارت عبر موقعها الإلكتروني إلى أنّ المسلم الذي يتقرب إلى الله بهذا الدعاء الذي عبَّر عنه سبحانه بقوله: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار»، قد بلغ الغاية في قوة اليقين وسلامة العقل فهو يقول في دعائه: يا ربنا امنحنا حالًا حسنة في الدنيا تكون معها أبداننا سليمة ونفوسنا آمنة ومعيشتنا ميسرة بحيث لا نحتاج إلى أحد سواك، وامنحنا أيضًا حالًا حسنة في الآخرة بأن تجعلنا يوم لقائك ممَّن رضيت عنهم وأبعدنا في هذا اليوم عن عذاب النار.
وقد أجمع العلماء على أنَّ هذه الآية الكريمة من جوامع الدعاء، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر من الدعاء بها؛ فقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» [البقرة: 202].
وقد بيّن سبحانه حسن ثواب الذي يتقرب لله بهذا الدعاء فقال: «أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وٱللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ»، أي: أولئك الذين جمعوا في دعائهم بين طلب حسنيي الدنيا والآخرة لهم نصيب جزيل وحظ عظيم من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة، والله تعالى سريع الحساب والعطاء؛ لأنَّه عليم بأحوال عباده لا يخفى عليه شيء من حركاتهم، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أنَّها قد بشَّرت المؤمنين بأنهم متى تضرعوا إلى الله تعالى بقلب سليم وبدعاء حكيم أجاب سبحانه سؤالهم وغفر لهم ما فرط منهم. وممَّا ذُكِر يُعْلَم الجواب عن السؤال.