الصمود والمحبة والهدوء، عنوان منزل أسرة «حمودة»، المكون من 3 طوابق في منطقة بيت لاهيا بقطاع غزة المحتل، يذهب الجميع إلى عمله ويعود مسرعا للاطمئنان على جميع أفراد الأسرة، يواجه بعض الشبان قوات الاحتلال الإسرائلي بالحجارة، وتواجههم بالقذائف والرصاص، حتى أول أمس الثلاثاء، ذلك اليوم المشؤوم على العائلة المكلومة التي تعرضت لقذف عنيف بالصواريخ من قبل الآلة الإسرائيلية الغشيمة، ليتحول الهدوء إلى صراخ وعويل السيدات والأطفال تحت الأنقاض.
رثاء مؤثر من فلسطيني لعائلته
سيدتان طوعتا حياتهما في خدمة وطنهما وتربية أبنائهما، رجلان ولدا وتربيا وتخرجا وعملا وعاشا وماتا معا، طبيبة حديثة العهد بدأت عملها كأخصائية تغذية بأحد مستشفيات، هؤلاء هم شهداء ارتقت أرواحهم جميعا قبل يومين، بعد أن نجوا من قصف قوات الاحتلال لمنزلهم في حي تل الهوى، لينزحوا عدة مرات حتى ارتقت أرواحهم في رفح الفلسطينية، لينعاهم الدكتور محمد رمزي حمودة، أحد أفراد الأسرة المكلومة، عبر صفحته على «فيسبوك» بكلمات مؤثرة لمست وجدان العالم، ستكون شاهدة أيضا على جرائم قوات الاحتلال الإسرائلي.
«ابوي وعمي ولدو مع بعض، بعدها بشوية تيتموا مع بعض، تربوا طفولتهم مع بعض، كافحوا ودرسوا ونجحوا مع بعض، فاتوا الجامعة وتخصصوا الهندسة مع بعض، تخرجوا ورجعوا ليخدموا بلدهم فلسطين مع بعض، عضوياتهم في نقابة المهندسين ورا بعض، اشتركوا بكلشي مع بعض، اتوظفوا واشتغلوا في نفس المكان مع بعض، حتى خطبوا وتزوجوا مع بعض، عاشوا بنفس البيت لسنوات مع بعض، بعدها خلفونا كلنا مع بعض، ربونا وكبرونا وعلمونا مع بعض»، جانبا من الرثاء الحزين للدكتور محمد، الذي نعي أفراد أسرته رمزي حمودة، مدير عام شركة توزيع كهرباء قطاع غزة «والده»، اعتدال حمودة «والدته»، روان حمودة «شقيقته»، ناريمان حمودة «زوجة عمه»، وبسام حمودة مدير عام وزارة الاشغال «عمه».
فلسطيني يتحدث عن والده وعمه بعد استشهادهما
لم يتوقف رثاءه الحزين عند هذه الكلمات المؤثرة التي تناقلتها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل استكمل سرد مشوار حياة والده وعمه قائلا: «حتى زوجونا لبعض، علمونا إحنا وأولاد أعمامي كلنا أخوة بعض، اتقلدوا أعلى المراتب المهنية في تخصصاتهم مع بعض، حجوا بيت الحرام ورا بعض، كانوا بيروحوا كل المناسبات مع بعض، كانوا أرواحهم لبعض، مابيقدروا يفترقوا عن بعض، لدرجة أنه كنا بنمازحهم ونحكيلهم راح تموتوا مع بعض، أبوي وعمي استشهدوا مع بعض، لدرجة وقت الدفن ما حدا عرف يفرقهم من بعض، أبوي وعمي وأمي وخالتي وأختي في الجنة مع بعض، بالمناسبة اليوم عيد ميلاد أبوي وراح يحتفلوا بالجنة مع بعض، وحيعزموا كل الشهدا ليحتفلوا مع بعض.. فزتم ورب الكعبة مع بعض».
«لو تحدثت العمر كله ما بقدر أوفي أهلي حقهم، نجوا 4 مرات من قصف قوات الاحتلال، لكن أرواحهم ارتقت في الخامسة، تم قصف منزلنا ببيت لاهيا، لكنهم نجوا فنزحوا إلى الجنوب، وتم قصفهم في القافلة ونجوا، جلسوا بغزة المدينة يوم واحد، وتم قصفهم ونجوا، واصلوا مشوارهم ووصلوا رفح تم قصفهم في ارتقوا، أختي روان الطبيبة المثابرة المجاهدة التي كانت تحلم بخدمة بلدها أكبر، راحت معاهم»، عبارت ممزوجة بالحزن والبكاء تحدث بها «حمودة»، لـ«»، مؤكدا فخره بأسرته.
رحلة صمود عائلة «حمودة»
قبل 3 أيام كانت الطبيبة روان حمودة، البالغة من العمر 25 عاما، التي ارتقت شهيدة تتحدث إلى وسائل الإعلام، مناشدة الجميع بالوقوف مع فلسطين وفق شقيقها «محمد»: «كانت روان لسه بتتحدث عن مجازر إسرائيل وعن صمود أهالينا في وجههم، كانت صامدة ومثابرة لكن يد قوات الاحتلال اغتالت شبابها».
رحلة نزوح وصمود خاضتها الأسرة خلال الأيام الماضية، لكن الموت كان مصيرهم وفق «محمد»: «أهلي نزحوا وحاولوا الاحتماء بالملاجئ حتى أنهم تفرقوا عن بعضهم البعض، لكن أيادى الغدر طالت بعضهم دون اللقاء، وكأنهم كانوا بيودعوا بعض قبل الانتقال من غزة إلى رفخ الفلسطينية، كان الوداع الأخير بين والدي وأمي وعمي وزوجته وأختي وزوجها».