عمر صابر، شاب عشريني، يقف على كوبري قصر النيل، حاملا كاميرته الفوتوغرافية، وبذات الرصيف يقف آخرون في أعمار مختلفة، ينادون على الزبائن بابتسامة خفيفة «صورة يا بيه»، اتفق عليها هؤلاء المصورون فيما بينهم باعتبارها مدونة سلوك غير مكتوبة، من أجل استقبال المتنزهين لالتقاط صورة لهم، من فوق هذا الكوبري العتيق الذي يطل على نهر النيل، ويصل طرفاه من ميدان التحرير إلى مبنى دار الأوبرا المصرية، لم يتوقع وأصدقاؤه أن تتحول مهنته التي يعمل بها منذ سنوات عديدة كـ«مصور متجول»، لرحلة شاقة من أجل البحث عن زبون، وسط التطورات التكنولوجية التي أدخلت على الهواتف المحمولة.
«أنا جايب موبايل بـ20 ألف عشان أتصور بكاميرا!!».. جملة وجهها أحد المارة لـ«صابر»، رافضًا عرضه بتصويره فوتوغرافيًا، المهنة التي يتخذها مصدر رزقه، إذ طرأت على مهنة مصور الشارع، تغيرات عديدة في ظل التقنيات العالية التي تشهدها الهواتف المحمولة، ألحقت الضرر بالعاملين بالمهنة، ومن بينهم عمر صابر، 21 عامًا، الذى حكى لـ«» عن ظروف العمل فى الفترة الحالية: «شغال في مهنة التصوير بقالى سنين، قبل كده كنت على آخر اليوم بعمل مكسب حلو، لكن دلوقتي الدنيا هادية خالص، اللي ممكن يظبط لى الدنيا إننا يجيلنا سيشن فرح أو عيد ميلاد فبيعوض شوية».
وعن سبب تراجع الطلب عليهم، يقول «صابر»: «جودة كاميرا الموبايل بقت كويسة، فالناس بتفضلها عن دفع فلوس للفوتوجرافر».
مواقف محرجة
أما المواقف التى يتعرض لها «صابر» خلال ممارسة العمل، فيقول: «مرة بقول لواحد حابب تتصور يافندم؟ لقيته بيرفض ويستهزأ بكلامي.. أنا اتحرجت واتضايقت من الرد».
100 جنيه في اليوم
رغم ذلك يتمسك «صابر» بمهنته، ومبرره في ذلك: «إحنا كشباب جامعي فرص الشغل لينا مش متوفر أوى، عشان لسه طلبة، فكل واحد مننا بيبقى عايز يعتمد على نفسه ويغطى مصاريفه، مابيبقاش قدامنا غير فرص محدودة، منها التصوير، وأنا من ساعة ما بقيت مصور بنزل ساعتين تلاتة في الشارع أشتغل وأنا ونصيبي، يعني ممكن أرجع بـ100 جنيه في اليوم، وممكن 200 جنيه».
أما محمد الزارع، 20 عامًا، فهو شاب يدرس في كلية الحقوق، ويقطن حي بولاق الدكرور، يوضح مدى الضرر الذي لحق به بسبب انتشار الهواتف الذكية: «باشتغل مصور بقالى 4 سنين، وعارف فرق الإقبال بين زمان ودلوقتى، كل ما الموبايلات بينزل منها الأحدث، الناس بتتهافت عليها، وكل واحد بيقول أنا معايا تليفون بكاميرا كويسة، مش هادفع فلوس تصوير».
فى الوقت نفسه، يرى «محمد» أن البعض ما زال يفضل التوجه للمصور الفوتوغرافى: «فيه ناس غاوية تصوير، وناس مابتبقاش عارفة يعنى إيه تصوير فوتوغرافى، 70% من شغلنا قائم على الناس اللي جاية من الأقاليم، لأن الموضوع بيبقى جديد عليهم، وبيحبوا يجربوا».
الصورة بعشرة جنيهات
كلما يخرج «محمد» وزملاؤه إلى العمل يحددون فيما بينهم سعرًا متواضعًا للتصوير، بحيث يكون في متناول المارة: «الصورة بـ10 جنيه، والرزق بتاع ربنا، ممكن فيه يوم نشتغل كتير جدًا، ويوم تاني نرجع من غير شغل خالص، أما في الأعياد الرسمية والمناسبات زي عيد الحب، الشغل يكون كويس، ومن سنة فاتت كان فيه ناس من الخليج بينزلوا مصر وبيحبوا يتصوروا كتير، يوم الخميس والجمعة كان عيد بالنسبة لنا والشغل كتير، لكن دلوقتي ساعات بنزل ماعملش شغل».
يتفق معه فى الرأي عمر عبدالرحمن، 20 عامًا، يدرس في كلية الحقوق، يقول: «التصوير بدأ معايا هواية، ومرة في مرة بقى شغلي، مابنزلش مكان محدد، بنزل كذا مكان عشان أتعرف ويبقى ليا زبايني فى كل مكان، الموضوع دلوقتي اختلف من فترة فاتت، كله بيعتمد على كاميرات الموبايل، يعني لو شلة خارجين مع بعض كل واحد هيخلي صاحبه يصوره أحسن ما يدفع فلوس، مع إنها مش هتطلع بالكواليتي العالية بتاعتنا، بس الزبون بيبقى عايز يوفر».