| «روماني» كفيف لكنه «حريف ميكانيكا»: أهل الأقصر عارفين شغلي

أجزاء من ملابسه ملطخة بالشحم الأسود وأدوات حديدية متفاوتة أحجامها لا تُغري إلا من أحب تلك المهنة، يجيد «روماني نجيب» استخدامها، يصنع بذلك مشاهد من الأمل، يتشبث بوميض ضوء نفذ إلى عينيه صباح يوم ما، في لحظة أحالت ظلام يأسه وقلة حيلته إلى نهار.

قبل أكثر من 30 عامًا سكن إيقاع حياة «عم روماني» حين كان مُبصرًا حتى تكررت شكواه من المياه البيضاء والزرقاء في عينيه، وفشلت محاولات الأطباء في مداوته، وفقا له: «أنا مولود مُبصر وفي سن 19 سنة جالي ميه بيضاء وزرقا على العين سافرت القاهرة وعملت عمليات كتير ومفيش حاجة جابت نتيجة»، فما كان منه إلا أن يختار بين طريقين لا ثالث لهما، إما الاستسلام أو التحدي.

لم يستسلم «روماني» لإعاقته وبدأ مشواره في طفولته 

لم يستسلم الرجل الخمسيني إلى فقدان بصره، فقرر أن يستمر في ممارسة ميكانيكا السيارات، مهنته التي احترفها منذ طفولته، يستيقظ مبكرا صباح كل يوم ليتابع عمله في ورشة حفظها أهل المنطقة تركها والده له ولأخيه: «من وأنا طفل بقف مع أخويا في الورشة دي والناس حفظتني، وحتى بعد ما فقدت بصري قررت أكمل في مهنتي اللي بحبها عشان أعرف أعيش»، يقولها عم روماني، ابن محافظة الأقصر في  لـ«».

بمجرد أن يغادر منزله القابع في وسط المدينة بمحافظة الأقصر، حيث ولد الرجل الخمسيني وعاش بها، يُلقي عليه أصحاب المحال التجارية والحرف وحارسي العقارات التحية عن يمينه وعن شماله، حفظوا هيئته وحفظ أصواتهم، اشتهر بينهم بصنعته ويديه «الملفوفة في حرير»، كلما جائهم حائر يبحث عن ميكانيكي محترف لإصلاح عطل ما في السيارة رشحوه لهم، واقعة كف بصره تحولت الى موضوع للتندّر، أدهشهم تمكنه وعزيمته.

«الميكانيكا بالنسبة ليا مصدر رزقي الوحيد وحرفتي اللي معرفش غيرها رغم إني كفيف وناس كتير بتستغرب»، يقول الرجل الأقصري في حديثه، بينما كان منشغلا لتركيب أحد أجزاء السيارة لزبون قديم من زبائنه.

أطراف أصابع «عم روماني» وسيلته لرؤية العالم 

انتقص «عم روماني» من حكايته الكثير ومازال في خزانة ذكرياته تفاصيل يخشى الاقتراب منها، مرت ثوان قليلة حتى استكمل حديثه وهو يتحسس أجزاء «السيارة» لاستبدال الجزء العاطل منها بآخر جديد دون مساعدة من أحد.

أطراف أصابعه باتت وسيلته لرؤية العالم من حوله: «حفظت كل جزء منهم باللمس وبقيت أمسك الحاجة أعرف نوعها بخبرتي، كل حاجة في الورشة حافظ مكانها»، فأثبت نجاحه في طريق التحدي الذي اختاره، رغم كف بصره، يطور من نفسه يومًا بعد الآخر، وفقا له: «اسمي في المنطقة معروف»، بحسب وصفه، يساعده أحيانا ابنه في بعض مهام الميكانيكا بالورشة.

بات عم روماني محور حديث عدد كبير من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بعد أن نشرت إحدى صفحات أهل الأقصر صورته أثناء عمله بحرفية رغم إعاقته، وبحسب وصفه: «متوقعتش كل الإشادات دي».