لم تخل لحظات وداع الحجاج المسافرين لأداء فريضة الحج دون احتفالات وغناء، حيث ترديد الأناشيد مع رفع الرايات الخضراء وجريد النخيل كعادات قديمة متوارثة بين الأجيال احتفالاً بأهم المواسم الدينية على مدار العالم؛ إضافة إلى ذلك ترسم جدران منازل الحجاج ببعض الصور المرتبطة بالكعبة المشرفة مع وضع الأعلام البيضاء والخضراء على الأسطح.
سر استخدام الأعلام الخضراء
وعن السر وراء استخدام الأعلام الخضراء في توديع الحجاج، أوضح الدكتور عمرو منير، أستاذ التاريخ الوسيط والفولكلور، والمتخصص في العلاقة بين التاريخ والفولكلور، أن اللون الأخضر له تمظهر في الوسط الشعبي العربي والمصري، فالناس يتفاءلون به باعتباره لون النبات الذي يبهج النفس ويبعث فيها الارتياح والطمأنينة، أما بالذهنية الشعبية يرمز اللون الأخضر والرايات الخضراء إلى الإيمان والخير والتقوى، وهم يعتقدون أن الجان المؤمنين قد يرتدون اللباس الأخضر.
وبحسب «منير»، خلال حديثه مع «»، فإن استخدام الأعلام الخضراء في الحج يعود أصلها إلى العرب قديما فكانوا يتفاءلون باللون الأخضر، ومن مسمياتهم يذكر الفرس الخضراء، ووهي فرس ذياب بن غانم «بطل العرب الجنوبيين اليمنيين وقاتل الزناتي خليفة، المسماة بالخضراء»، كما يعد لون الرايات الخضراء «اللون الأثير في الشرق، أكثر الشيوعًا في أعلام الدول العربية والإسلامية» لأنه كان لونا ظاهرا في أستار كعبتهم وعلى أضرحة أوليائهم، وفي قباب عدد من مساجد المسلمين أشهرها قبة النبي صلى الله عليه وسلم.
جريد النخيل الأخضر، هو رمز الخير لدى العربي القديم، ولون عمائم فئات مشايخ من المسلمين، ورمز الجنة التي وصفت بهذا اللون في القرآن الكريم، وإذا ظهر في منامات العرب إشارة إلى الخير والبركة؛ ولذلك يعد في يومنا هذا لا يستطيع الكثير العبور بأمان إلا بإشارة خضراء رمز الأمن والسلامة.
السبب وراء استخدام جريد النخيل
أما جريد النخيل، يعد من أهم الرموز داخل رقعة الفولكلور العربي فالعرب في الجاهلية كانوا يعبدون أشجار النخيل حيث عبدت نخلة طويلة في نجران وكانوا يعلقون عليها الأثواب الحسنة والحلي ليستمر التعامل مع النخيل على نحو مشابه حتى العصر الفاطمي ثم المملوكي في مصر.
في فترة العصر الفاطمي كانوا يزينونها بملابس نسائية خلال مواسم احتفالاتها الموسمية، بحسب ما أوضحه أستاذ التاريخ الوسيط والفولكلور، مشيرا إلى أن روي عن النبي «أكرموا عماتكم النخل».
جريد النخيل في شجرة الحياة عند أجدادنا المصريين القدماء وهي شجرة التجدد والحياة والاستمرار، وورق النخيل يسمى سعفًا وهو رمز الترحيب؛ فقد استقبل يسوع بسعف النخل عند دخوله القدس قبل الفصح بأسبوع، ولذلك يصطحبها الشعبيون عند زيارتهم للمقابر في الأعياد، وكذلك الحجاج كانوا يصطحبونها معهم استشرافًا لتجدد حياتهم وغفران ذنوبهم ليبدأو صفحة جديدة مع أنفسهم، كما يستظلون بها في رحلتهم إلى الحرمين الشريفين.
كما أن جريد النخيل الأخضر، الاعتماد عليه بالنسبة للحجاج هو استشراف لزيارة القبة الخضراء، وكان أول من صبغ القبة باللون الأخضر هو السلطان عبد الحميد العثماني، في عام 1253 هجرية وأمر بصبغها، وظلت تجدد بهذا اللون إلى وقتنا هذا.