رحلة كفاح كبيرة وشاقة تعيشها الفتاة العشرينية سلمى حسين، ابنة محافظة القاهرة، بدأت وهي في الرابعة من عمرها حينما انفصل والداها وتربت محرومة من نعمة الأب، مرورًا بأنها عاشت وحيدة بلا أشقاء رفقة والدتها، التي تركتها هي الأخرى قبل 3 أعوام عائدة إلى ربها تاركة ابنتها تعيش وحيدة بين جدران منزلها، إلا أن «سلمى» بقبول ورضا راحت تواجه كل ذلك وتعول نفسها من خلال إعداد الساندويتشات المغلفة وبيعها في أحد الشوارع المجاورة لمستشفى القصر العيني.
الحرمان من نعمة الأب
بصوت هادئ يخالطه التمرد على الماضي، بدأت «سلمى»، ابن الـ29 عامًا، تروي لـ«»، عن حياتها وكيف حُرمت من نعمة الأب والأخوة وأخيرًا الأم، موضحة أن والداها انفصلا وهي لا تزال في السنة الرابعة من عمرها، وتركها والدها منذ ذلك الوقت ولم تعلم عنه شيئًا حتى الآن، أو إذا كان على قيد الحياة أم لا: «مسألش عليا خالص ولا أعرف هو موجود فين!»، مضيفة أنها عاشت كل تلك السنوات رفقة والدتها التي لم تنجب سواها، معتمدين على معاش بسيط يقتاتا منه.
بالرغم من معاناة والدة «سلمى» في تحمل نفقات المعيشة، إلا أنها تمكنت من تعليم ابنتها حتى تخرجت الفتاة في معهد رمسيس للبنات عام 2016، وحصلت على بكالوريوس إدارة أعمال، إلا أن الحظ عاد يعاندها مرة أخرى، حيث لم تجد وظيفة تناسب مجال دراستها، ما دفعها إلى التنقل في العمل بين عدة مطاعم مختلفة لتعين والدتها المُسنة في تحمل المصاريف، وبقيت على هذا الحال حتى توفيت والدتها عام 2019: «لما ماما ماتت بقيت عايشة لوحدي ومليش حد».
حال «سلمى» بعد وفاة والدتها
صدمة نفسية جديدة بوفاة الأم تلقتها الفتاة العشرينية، وراحت تتخبط في دروب الحزن تارة والخوف تارة أخرى والشعور بالوحدة المفزعة تارة ثالثة، حتى استطاعت بعد فترة الخروج من كل تلك السراديب والجحور الظلامية من خلال بدء مشروعها الجديد وهو إعداد الساندويتشات وتغليفها بشكل منمق ومن ثم بيعها في الشارع: «مكانش عندي رفاهية للحزن والزعل على أمي.. كان لازم أطلع اشتغل وابدأ أعتمد على نفسي في كل حاجة»، وأنها إلى جانب بيع الساندويتشات تحصل على معاش والدتها الذي بالرغم من بساطته إلا أنه يساعدها على تحمل نفقات الحياة من دفع إيجار الشقة ومتطلبات المعيشة الأخرى.
«قبل ما ابدأ مشروعي بدأت اسأل على جروبات الفيسبوك وأشوف الناس اللي جربته وآخد رأيهم والحمد لله شجعوني».. قالتها «سلمى» وقد استعادت بعض الحماس والقوة في صوتها، مضيفة أنها تبدأ يومها في الخامسة صباحًا، حيث تذهب لشراء العيش الفينو الطازج، ومن ثم تذهب إلى رصيف أحد الشوارع المجاورة لمستشفى القصر العيني، وتبدأ في إعداد الساندويتشات وتغليفها بشكل نظيف منمق، لتقديمها إلى الزبائن: «الحمد لله ببيع ساندويتشات لانشون وجبن بأنواعها وحلاوة طحينية ومربى»، وأنها تضع على غلاف الساندويتش البلاستيكي قصاصة ورق ملونة على هيئة أوراق الشجر بعد أن تكتب عليها اسم الساندويتش لإضافة شكل جمالي إليه.
«سلمى»: نفسي يبقى ليا مكان علشان أشتغل وأنا متطمنة
بالرغم من وجود مصدر دخل لـ«سلمى» تقتات منه، إلا أنها وفي وسط الظروف الصعبة التي تعيشها فهي تحتفظ بحلم بسيط بين ضلوعها ولا تتمنى أكثر من تحقيقه، وهو امتلاك مكان صغير تعرض فيه الساندويتشات لتتجنب الاضطرار إلى إخفائها وإظهارها من وقت إلى آخر أو التنقل بها: «نفسي يكون ليا مكان علشان أكون متطمنة وأنا بشتغل بدل مانا متوقعة أن في حد هيجي يمشيني أو يخليني ألم الحاجة في أي وقت»، وأن ذلك سيساعدها أيضًا في إعداد وبيع عدد أكبر من الساندويتشات يوميًا».