| «شبرا الخيمة» شاهدة على «إنصاف»: 25 سنة ببيع «مخروطة» لأجل أحفادى

 سنوات الشقاء بدت واضحة على ملامحها، فهى التى لم تعرف للراحة عنواناً، بعدما توفى زوجها فى ظروف غامضة، ليلحق به الابن حزناً عليه، ويترك والدته إنصاف محمد، 67 سنة، من منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وحيدة تواجه قسوة الحياة بشجاعة كبيرة، حتى قررت تلك الأم المكلومة النزول إلى الشارع كى تضمن أن تستمر دورة الحياة كما خطط لها الابن قبل وفاته، فكثيراً ما كان يحلم بأن ينجح فى تعليم أبنائه بشكل جيد، لتعويض ما حُرم منه فى الصغر.

نزلت «إنصاف» إلى الشارع منذ ما يزيد على 25 عاماً لتبيع للمارة «مخروطة»، تلك الأكلة الشعبية التى لم يعد الكثيرون يعرفونها، نظراً لقلة الإقبال عليها، وعلى الرغم من ذلك فإن «الحاجة»، كما تحب أن يناديها أبناء المنطقة، قررت أن تحيى التراث من خلال الحفاظ على بعض الأكلات الشعبية القديمة: «حياتى صعبة لكن ماينفعش أقعد من غير شغل، علشان العيشة صعبة ومحتاجة أصرف على أحفادى، مابقاش لهم غيرى بعد وفاة أبوهم، ومراته مش هخليها تشتغل، علشان كده شيلت أنا الشيلة كلها لوحدى ومكمّلة بفضل ربنا».

تقف «إنصاف» فى الشارع ومعها تجهيزات بدائية لعمل المخروطة، على الرغم من صعوبة ما تقوم به من عمل نظراً لطبيعة طهى المخروطة، والتى دوماً ما تحتاج إلى نار لطهيها: «للأسف مفيش فلوس أشترى بها محل وأقف فيه بدل بهدلة الشارع».

أسفل مظلة بالية تجلس الستينية على كرسى خشبى متهالك، وأمامها منضدة صغيرة أعلاها الدقيق الذى تستخدمه فى عمل المخروطة، إلى جانب شعلة صغيرة ومياه وإناء تستخدمه فى عجن المخروطة: «الشمس بتاكل فى دماغى والمطر بيوقف حالى، لكن هعمل إيه؟! لازم أستحمل وأنزل أشتغل، وإلا هنموت أنا وأحفادى من الجوع، كل اللى نفسى فيه إنى أقدر أكمل رحلتى معاهم وأكبّرهم وأفرّح ابنى وجوزى فى قبرهم».