حسام عبدالعظيم مؤسس مبادرة «شواهد مصر» أثناء عملية التنظيف
يعلوها التراب من آن لآخر حتى خبا بريقها، كانت ملء السمع والبصر، ودرة من درر زمنها، خصص مؤسسوها لها المال والجهد كي تصمد في وجه الدهر أطول فترة ممكنة، ولم يدر بخلدهم لحظة أن الإهمال والنسيان سيكونا مصيرها. إلا أنه وكما للقدر أحكامه في جعل عدد من الآثار الإسلامية طي النسيان والإهمال سنوات عديدة فله أحكامه أيضا في إعادة البريق لها من جديد على يد فريق من الشباب المتطوع اتخذ لنفسه اسم «شواهد مصر».
يجوب الفريق شوارع القاهرة بنهم المحب، يبحث عن كل أثر طواه النسيان وتحول إلى ملجأ للحيوانات ومكب لنفايات المحيطين به، ليعيده للحياة من جديد أو يفتح الباب ويسلط الضوء عليه. «مش كفاية إنك تكون محب للآثار من بعيد، لكن المهم إنك تقرب من الأثر وتساعد في إعادته لبريقه»، هكذا استهل حسام عبدالعظيم مؤسس مبادرة «شواهد مصر» حديثه لـ«».
العمل بدأ صدفة منذ عامين
«تنظيف الآثار جاء صدفة، من نحو سنتين كان فيه قبة من العصر الفاطمي موجودة في منطقة الإمام الشافعي كان فيها قمامة كتير جدا، وقررت مع عدد من زملائي إننا ننضفها متطوعين، وتواصلت مع قطاع الآثار الإسلامي في وزارة الآثار، واللي لازم نحصل منه على تصريح للتعامل مع الأثر، والناس رحبوا وحصلت على التصريح خلال يوم واحد فقط، ونضفنا القبة وطلعنا منها نحو 2 طن زبالة»، يضيف عبدالعظيم أنه بعد العمل بالقبة قرر مع عدد من زملائه توسيع عملهم وتأسيس مبادرة «سيرة القاهرة» عام 2020 وحصلوا على الموافقة اللازمة من وزارة الآثار، واستطاعوا تنظيف 5 آثار من 4 عصور مختلفة «فاطمي ومملوكي وعثماني وعلوي»، في خلال شهرين فقط، ثم توقفت المبادرة لعام ونصف تقريبا.
من «سيرة القاهرة» إلى «شواهد مصر»
بعد التوقف قرر «حسام» العودة إلى العمل من جديد بمبادرة جديدة أسماها «شواهد مصر» لتنظيف الآثار بالتعاون مع وزارة الآثار، «أخدنا موافقة الدكتور مصطفى وزيري أمين عام المجلس الأعلى للآثار، وكان بينا تعاون مثمر، واشتغلنا أول حاجة يوم 14 مايو بعد العيد، ونضفنا أثرين في يوم واحد، وكنا 12 متطوعا، ويوم السبت 4 يونيو اشتغلنا في سبيل وقبة الأمير عمر أغا، بشارع باب الوزير أمام جامع الأمير آق سنقر (الجامع الأزرق)».
لا شروط للتطوع بالمبادرة
وعن شروط التطوع في المبادرة، أوضح عبدالعظيم، أنه لا يوجد أي شروط ولا يحتاج الأمر إلى متخصصين في الآثار، «اللي بييجي بيكون مهتم وإحنا بنوجه المتطوع وبنعرفه يتعامل مع الأثر إزاي، إحنا بنعمل تنظيف مش ترميم، بنزيل العوالق والرديم والزبالة، وبيدفع كل واحد مننا من جيبه مبلغ رمزي عشان نجيب عربية تاخد النقلة أو النقلتين من المخلفات وتوديهم أي مقلب عمومي».
الآثار الإسلامية تحتاج اهتمام الأهالي
يرى عبدالعظيم أن كثيرا من الآثار الإسلامية بها مشاكل وتحتاج إلى الاهتمام من الأهالي ومن السكان المحيطين بها، «بنعمل على آثار مترممتش ومقفولة، وأخرى داخل المناطق السكنية ويترمي جواها أو على بابها قمامة، ودا موجود منه كتير في القاهرة والجيزة».
تعمل «شواهد مصر» في الآثار الإسلامية فقط، لأنها ترى أن الدولة تولي اهتماما كبير بالآثار الفرعونية ولم يقابلها إلى الآن أي أثر فرعوني يحتاج إلى تنظيف، وكذلك فالآثار القبطية تحظى باهتمام كبير من الكنيسة.
أبرز الآثار التي عملت عليها المبادرة
وعن أبرز الآثار التي عملوا عليها أوضح أن قبة الحصواتي وهي من العصر الفاطمي، وعمرها نحو ألف عام، بها محراب نادر للغاية، مصنوع من الجص أو الجبس، وكانت مهملة وبعد تنظيفها ظهر بريقها وروعتها، و«كان فيها صرف صحي ورطوبة أثرت بشكل سلبي على الآثار وأما شيلنا الزبالة كأنها اتجددت، وكذلك جميع الآثار التي عملنا عليها واللي بأقل مجهود بيظهر جمالها».
3 محاور يعمل عليها عبدالعظيم وفريقه، خلال عمله في تنظيف الآثار، «بنشتغل على تنضيف الأثر وتوعية السكان المحيطين بالأثر، وكذلك متابعة الزملاء في الوزارة وتقديم مقترحات لكيفية الحفاظ على الأثر بعد التنظيف».
دخول الآثار التي يعمل الفريق على تنظيفها إلى مرحلة الترميم بعد الانتهاء منها يعطيهم دفعة كبيرة للاستمرار في عملهم والتفاني فيه أكثر، «نظفنا سبيل الأمير شيخو العمري في الحطابة في 2020، وبعدها بشهر مباشرة دخل ترميم وبعد عدة أشهر بقى حاجة تانية، وكل دا بيدينا دفعة للاستمرار».
تنظيف سبيل وقبة الأمير عمر آغا
أما آخر أعمال المبادرة فكان سبيل وقبة الأمير عمر آغا، الذي محت الأتربة معالمه، «اشتغلنا فيه يوم السبت 4 يونيو، كان مردوم ومليان تراب وعفرة، وبعد مخلصناها بقت شكل تاني، وحاولنا نشتغل على السقف بأكبر قدر ممكن لكن محتاج ترميم عاجل، كذلك الرخام الخاص بتبريد المياه والقبة الضريحية لعمر أغا»، تعرض سبيل وقبة عمر أغا إلى إهمال طوال العقود السابقة إذ استخدم كقاعة للمناسبات وجرى طلاؤه أكثر من مرة مما أضر بالقبة وقيشاني الجدران، «القيشاني كان عليه طبقتين من ورق الحائط وكذلك طبقة من الدهان ومع الأتربة تحولت إلى طبقة سوداء تماما عملنا على إزالتها بكل رفق حتى وصلنا إلى الشكل الأساسي من القيشاني والذي كان مبهرا».