داخل ورشة حدادة عمرها يتخطى 100 عام، في سوق السلاح التابعة لمنطقة الدرب الأحمر جنوب محافظة القاهرة، يتواجد عباس حسين إسماعيل، حداد، صاحب الـ 83 عاما، يمارس عمله بكل اجتهاد رغم تقدمه بالعمر: «بشتغل بإيديا لحد دلوقتي، الحمد لله الصحة موجودة وربنا يديمها نعمة»، نظرا لحبه الشديد لتلك الصنعة التي ورثها وأشقاؤه الأربعة من والدهم قبل أن يتوفوا جميعا، ويتركوا مسؤوليتها له: «ورثتها من أبويا، وشغال فيها من وأنا صغير».
ما زال «عم عباس» يعافر لإكمال رحلته على أكمل وجه مع صناعة الحدادة، التي علمها لأجيال مختلفة، وكان سببا في امتلاك العشرات منهم لورش حدادة ، ليستحق لقب شيخ حدادين تلك المهنة.
أصر على تعليم أولاده
على الرغم من أن «عم عباس» لم يحصل على تعليم جيد وترك مدرسته بالمرحلة الثانوية بعد أن انشغل بمهنة الحدادة، إلا أنه رفض بشكل قاطع أن يورثها لأحد من أبنائه مثلما حدث معه قبل عشرات السنوات، وأصر أن يتلقوا جميعا تعليما جامعيا ويمتهنوا أعمالا أخرى تناسب دراستهم: «عندي 3 أولاد خريجين جامعات، واحد منهم محامي، واتنين محاسبين»، ولكن في المقابل كان شيخ الحدادين السبب في تعليم نفس المهنة لعشرات «الصنايعية» وكل من طرق باب ورشته باحثا عن عمل: «علمتها لناس كتير أوي، والحمد لله فتحوا ورش وبقوا حدادين كبار».
ورشة الحدادة الخاصة بالرجل الثمانيني، تنتج كل أنواع الأبواب والبوابات والشبابيك الحديد، ومع مرور السنوات، طور «عباس» من عمله وأصبح أحد فناني صناعة الأثاث من الحديد، إذ ينتج الكراسي والترابيزات الحديدية بكل إتقان.
ما زال يعمل بيده مثل أي صنايعي
ورشته مليئة بالصنايعية، وإلى جانب إدارته لها ما زال يعمل بيده مثل أي صنايعي بها، ولهذا لا يحلم سوى بأن يديم الله عليه نعمة الصحة، حتى يواصل عمله ويستمر في الإنتاج مثل أي فرد نافع في المجتمع: «مش طالب من ربنا غير دوام نعمة الصحة».