تعددت الروايات التي يتبادلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحاتهم الشخصية من وقت لآخر وتحكي قصص إعادة أشخاص مفقودين إلى أهاليهم بعد سنوات طويلة من الغياب تصل لعدة عقود كاملة، وهو ما يبرز الاستفادة الكبيرة من التطور التكنولوجي والدور الفعال الذي تلعبه منصات الـ«سوشيال ميديا» في خدمة المجتمع في ظل تزايد أعداد مستخدميها يوميًا حول العالم.
وبالبحث حول قصص عودة المفقودين لأهاليهم في مصر، تبيَّن أن أغلبها بدأت برسالة استغاثة من الأهل إلى إدارة صفحة «أطفال مفقودة» لمؤسسها رامي الجبالي، عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إلى أن تنتهي على مشهد لقاء الأحباء بمفقوديهم وتغمر الفرحة الجميع.
دور الـ«سوشيال ميديا» في خدمة المجتمع
وعن دور الـ«سوشيال ميديا» في خدمة المجتمع بشكل عام، قال رامي الجبالي، خلال حديثه لـ«»، أنه على الرغم من سلبيات منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنه ونظرًا للتطور التكنولوجي الرهيب وتزايد عدد مستخدميها باتت تلعب دورًا كبيرًا وفعالًا في خدمة المجتمع وتوجيهه، مثل إطلاق حملات لجمع التبرعات، أو مبادرات لتقديم مساعدات مادية للمحتاجين، إلى جانب أيضًا دورها في إصلاح بعض الأخطاء البارزة في الشارع من خلال تسليط الضوء عليها بشكل منظم ولائق حتى يتم التعامل معها وتصليحها.
ومن الأدوار الفعالة التي لعبتها الـ«سوشيال ميديا» في السنوات الأخيرة، هي إعادة الكثير من المفقودين لأهاليهم، وفقًا لـ«الجبالي»، الذي أوضح أنه أسس وزوجته صفحة «أطفال مفقودة»، على موقع التواصل الاجتماعي منذ 8 سنوات، هدفا من خلاها إلى استغلال قوة الـ«سوشيال ميديا» بشكل إيجابي من خلال البحث عن الغائبين ولم شملهم بأحبابهم، مضيفًا أنه مع الوقت ازدادت ثقة الناس في الصفحة وبالتالي عدد المتابعين لها، وبعد أن كان يديرها رفقة زوجته فقط بات الآن يشاركهما هذه المهمة 7 أفراد آخرين، إلى جانب 7 آلاف شخص متطوع يمدون يد العون لأسر فُطرت قلوبها على فقد أحبابها.
خطة العمل لإعادة المفقودين إلى أهاليهم
«الموضوع بيبدأ برسالة استغاثة يبعتها الأهل على رسايل الصفحة».. قالها «الجبالي»، مضيفًا أنه بعد ذلك يتم التواصل تليفونيًا مع المُبلِغ، والتأكد من صدق حديثه، وخلو الأمر من أية خلافات أسرية؛ إذ أن قواعد العمل لدى إدارة الصفحة تمنع التدخل في مثل هذه الأمور، ومن ثم أخذ كافة البيانات والمعلومات المتاحة حول الشخص المُتغيب، من بينها ما يوصف الشكل وملامح الوجه، ليتم بعدها بحث صدقها وسلامتها على أيدي متطوعين بالصفحة.
«عندي ناس مسؤولة أنها تراجع التواريخ وتتأكد منها، وكمان علشان نقدر نتوقع المُتغيب بقى عنده كام سنة دلوقتي علشان نحدد دائرة البحث بتاعتنا، وكمان في فريق Copywriter مسؤول عن صياغة المعلومات بشكل كويس علشان ننزلها في بوست على الصفحة»، وفقًا لمؤسس صفحة «أطفال مفقودة»، وأنه على الرغم من تفاعل عدد ضخم من المتابعين مع منشورات الصفحة ومشاركتهم في البحث، إلا أن دور القائمين عليها لا ينتهي عند هذا الحد، بل يمتد للذهاب إلى دور الرعاية ومراجعة أوراق ومحاضر النزلاء؛ إذ من الممكن أن يكون قد تم إيداع الشخص المُتغيب في إحدى هذه الدور: «أحيانًا بنبعت متطوعين في شكل متبرعين علشان يروحوا دور الرعاية ويدوروا فيها».
خدمات اجتماعية أخرى تقدمها الصفحة
وعلى الرغم من أن الصفحة تحمل اسم «أطفال مفقودة»، إلا أن دورها المجتمعي لم يقتصر على إعادة المفقودين لأهاليهم، وإنما امتد أيضًا لتسليط الضوء على بعض سلبيات المجتمع والشارع ولفت النظر إليها لتقويمها وحث الناس على نبذها والبعد عنها، إلى جانب إصلاح الأخطاء الموجودة في بعض دور الرعاية، مثل سوء المعاملة مع النزلاء وما شابه من خلال تسليط الضوء عليها أيضًا: «لما طفل أو شخص كبير بيكون مفقود ونلقاه في دار رعاية، قبل ما نسلمه لأهله بنسأله هل كان بيتعامل في الدار بشكل كويس ولا لأ، ولو اشتكى من حاجة بنروح إحنا نبحث الشكوى دي مع إدارة الدار ونصلح الخطأ قدر الإمكان».
قصص مؤثرة كثيرة شاركتها إدارة الصفحة مع متابعيها، نقلت خلالها توفيقهم في لم شمل الأهل بذويهم بعد سنوات طويلة من الغياب، كان أبرزها قصة الأم المصرية «رضا» التي التقت بابنها الأردني «وسام» في مطار القاهرة بعد 43 سنة حرمان، اعتقدت طوالها أن ابنها توفيَّ بينما كان رضيعًا كما أخبرها زوجها الأردني وقتها قبل انفصالهما وعودتها إلى مصر تجر أذيال الخيبة والحسرة على ابن أحشائها المتوفى، والأمر ذاته حدث مع الابن الذي لقنه والده بأن والدته توفيت، فعاش سنوات طويلة قانعًا بأنه يتيم الأم، حتى أراد الله برحمته شيئًا آخر وراحت عمة الشاب التونسي تخبره بأن والدته مصرية ولا تزال على قيد حياة، ليبدأ الابن من وقت سماعه هذه الكلمات رحلة البحث عن أمه مستعينًا بصفحة «أطفال مفقودة» ومتابعيها، حتى لمَّ الله شملهما من جديد.
الجندي المجهول في نجاح صفحة «أطفال مفقودة»
«المجتمع هو الجندي المجهول في أي نجاح بتحققه الصفحة»، وفقًا لـ«الجبالي»، موضحًا أنه لولا إيمان الناس وثقتهم في الصفحة لِما زاد عدد متابعيها وتفاعلهم، وبالتالي قوتها وإحداث التغيير، مشيرًا إلى أن من أكثر أسباب كسب ثقة الناس والمتابعين هي أن كل القائمين على الصفحة يعملون بشكل تطوعي ولا يتلقون أي مبالغ مالية نظير خدمتهم.