من بوابة الجامعة إلى المدرج.. حكاية يضرب لها تعظيم سلام، تلخص كل معاني الإنسانية، والصداقة الأبدية التي يجب أن تكون، فلم يعلم الأب الذي يحمل ابنه على كتفيه، أن الله سيسخر له إنسانا في خدمة فلذة كبده، الذي حرمه الله من نعمة الرؤية، بجانب إعاقة أخرى في قدميه، لكنه أعطاه العلم، ليصير شابًا جامعيًا متفوقًا في مراحل دراسته الأزهرية، يتباهى به الجميع من أهل قريته وأصدقائه في الجامعة.
أحمد صبحي، 18 عامًا، ابن مدينة المحلة الكبرى استطاع بتفوقه الدراسي أن يلتحق بكلية أصول الدين والدعوة، جامعة الأزهر، في مدينة طنطا، رغم إعاقته التي أصابت عينيه، وجعلته كفيفا، يضطر يوميا للذهاب إلى جامعته مثل باقي زملائه، رغم بُعد المسافة بين منزله والجامعة، التي تقدر بـ26 كيلومتر بين المدينتين الواقعتين بمحافظة الغربية.
حيرة الأب في أول يوم دراسة
مع بداية اليوم الدراسي لهذا العام، كان والد أحمد نشأت، الطالب بالفرقة الأولى بكلية أصول الدين والدعوة، يخرج من إحدى سيارات الأجرة، حاملا نجله على كتفيه، متوجهًا به إلى باب الكلية، يبحث عن أشخاص يدلونه على طريق الدخول، وبعد دقائق من الحيرة، دله طلاب الجامعة على بوابة الدخول الرئيسية.
«علي» قرر مساعدة زميله
بينما كان الرجل يتحرك ناحية باب الدخول حاملًا ابنه، أسرع «علي محمد»، طالب بالفرقة الثانية بذات الكلية، من مدينة كفر الدوار بالبحيرة، في خطوات قدميه، قاصدًا اللحاق بالمحاضرة الأولى، لكنه تباطأ فجأة وتوقف بمجرد أن لاحظ حيرة الأب، فتوجه إليه بغرض المساعدة: «روحت ناحيته وسألته محتاج خدمة ياعم الشيخ؟.. ونزلت أحمد من على كتفه».
بعد حديث استمر بضعة دقائق، عرف «علي» الحالة المرضية لهذا الشاب، وقصة تفوقه في الدراسة، ومعاناته خلال الطفولة من فقدان البصر وإعاقة في قدميه، تصعب عليه مهمة الدراسة: «اتكلمت مع أحمد ولقيته لبق وحافظ لكتاب الله وشاب لين القلب وقلت لأبوه سيب الموضوع ده عليا، وخليك مرتاح في البيت».
صورة جسدت معنى الصداقة
منذ اليوم الثاني للدراسة، تولى الطالب أمر زميله، وقرر أن ينتظره وقت مجيئه في الصباح ويحمله على كتفيه، قاطعًا المسافة بين بوابة الجامعة إلى المدرج سيرًا على قدميه.
ومع مرور الأيام نشأت بين الشابين صداقة لم تكن عادية، إذ جسدت معاني الإنسانية والعطاء، واعتاد طلاب الكلية رؤيتهما يقضيان اليوم الدراسي معًا في أوقات الراحة وأصبحا مثالًا يحتدى به: «الصحوبية بدأت بحاجة أنا كنت سعيد بيها، وهي إني أساعد أحمد لوجه الله وده كفاية، وبقى صاحبي اللي طلعت بيه من الدنيا».
من البوابة إلى المدرج
الصداقة التي جمعت الشابين معا، أشاد بها طلاب جامعة الأزهر، مؤكدين أن تلك الصورة تجسد الصداقة في أسمى معانيها، إذ يقول نصر عبد الحكيم، أحد طلاب كلية أصول الدين بطنطا، إنه يرى الشابين على هذا الحال منذ شهور، إحداهما كفيف ويعاني من إعاقة في قدميه، والآخر يحمله فوق كتفيه كل صباح من بوابة الدخول الخاصة بالجامعة حتى يصل به إلى المدرج في الطابق الخامس، وفي نهاية اليوم يعود إلى المدرج نفسه، ويأخذه إلى حيث أتى به.
ويضيف «نصر» خلال حديثه لـ«» أن الصديقين لم يتخليا عن بعضهما لحظة واحدة خلال سير اليوم الدراسي: «بنشوفهم في كل مكان في الكلية، ومفيش يوم بيعدي غير لما الشيخ علي بيوصل الشيخ أحمد لحد المدرج، وفي نهاية اليوم بيوصله لحد الباب، ويوقف لحد ما تيجي العربية توصله البيت».