| «عفاف» تغزل الصوف وتبيعه على الرصيف: «جوزت بناتي ونفسي أطلع عمرة»

بوجه بشوش، وابتسامة يملؤها الرضا، تفترش الأرض سيدة ستينية في منطقة باب اللوق بالقاهرة، وتعرض مشغولات من الصوف، صنعتها بيديها حتى انحنى ظهرها، تمسك بطرف الخيط لتغزل قطعة صوف بكل صبر، تجلب من ورائها بعض الجنيهات التي تساعدها على ظروف المعيشة.

الظروف التي دفعت عفاف لغزل الصوف

عفاف عويس، سيدة تبلغ من العمر 66 عاما، من محافظة القاهرة، تعلمت غزل الصوف من نعومة أظافرها، إذ كان مجرد هواية تصنع منه بعض القطع الخاصة لها، ولكن بعد زواجها بدأت تستغل موهبتها في مساعدة زوجها، الذي كان يعمل «سايس»، فالمال الذى يجنيه من عمله لا يكفي في الإنفاق على الأسرة، حتى توفي وتركها وحيدة بلا دخل يعول أبنائه.

استمرت عفاف في غزل الخيوط وبيعها من أجل أبنائها الثلاثة، فلم يترك لها زوجها معاشًا تنفق منه، ولكنها كافحت من أجلهم حتى لا يشعر أحدهم بالحرمان، فقد تمسكت عفاف بحق أبنائها في التعليم، ولم تستسلم للظروف المادية، إذ تخرجت إحدى بناتها من معهد تمريض، وتخرجت الأخرى من معهد السياحة والفنادق، ولكن الولد لم يكمل تعليمه واختار مساعدة والدته، بعدما طلب مساعدة أحد أصدقاء والده ليعمل سائق سيارة أجرة.

رغم تقدم «عفاف» في العمر وضعف بصرها، لم تكل أو تمل من الكفاح من أجل أبنائها أو طلب المساعدة من أحد، بل كانت ترفض المساعدات المادية من الجيران أو الصحاب الخير، وتمكنت من هذه المبالغ البسيطة التي تجنيها من العمل بغزل الصوف، أن تعلم بناتها والقيام بتوفير جهازهم حتى تزوجن. 

بعد سنوات طويلة من الكفاح بدأت السيدة تعاني من ضعف البصر، ورغم ذلك ما زالت تكافح من أجل توفير مصروفاتها الخاصة: «مش محتاجة مساعدات من حد حتي ولادي بدعي ربنا بدوام الصحة، علشان أشتغل لحد ما أموت».

عفاف: «نفسي أطلع عمرة وأموت هناك»

قد تواجه سيدة في مثل عمر «عفاف» مشكلات في النزول إلى الشارع، وحمل هذه البضائع الثقيلة، وخاصة أنها تعاني أيضا من خشونة المفاصل وكسور في الشريان التاجي، كل هذه الأمور قد تكون حاجز منيع أمامها في محاولة طلب الرزق، ولكن الأشخاص التي تعرف والدها تعاونها في حمل البضائع منها ومنهم من يلبي طلباتها أثناء تواجدها، فهي تتحمل قسوة ظروف المعيشة، وتتمنى قضاء عمرة، قائلة في حالة من الحزن والبكاء الشديد: «نفسي أطلع عمرة وأموت هناك».