على أرصفة أحد الشوارع، يجلس «علاء الدين» بلحيته التي طالها الشيب واضعًا أمامه صندوقًا خشبي يحوي بِضعة أدوات يستعملها في مسح وتلميع الأحذية، حاملًا في صدره آلامًا نفسية تُرهقه كثيرًا كلما تذكرها، ناتجة عن جحود زوجته وابنتيه بعد مقاضاتهن له في محكمة الأسرة ومطالبتهن بالنفقة، في ظل عجزه عن التكفل بها.
يحكي علاء الدين أحمد، 57 سنة، يسكن في أحد الشوارع المتفرعة من شارع هيكل بمحافظة الجيزة، في حديثه لـ«»، أنه تزوج منذ 20 عامًا وأنجب ابنتين، إلا أنه منذ 7 سنوات انفصل عن زوجته لخلافات كثيرة حدثت بينهما: «بنتي رشا عندها 20 سنة وفاطمة 19 سنة، بس هما راحوا عاشوا مع أمهم لما اتطلقنا.. زوجتي كافحت وشقيت معايا كتير في بداية جوازنا بس بعد كدا حصلت مشاكل واضطرينا ننفصل».
لم تكن مسح الأحذية هي مهنة «علاء الدين» من البداية إذ كان أولًا يعمل «سايس» أمام مستشفى الرمد بالجيزة، إلا أن الحي طرده من عمله منذ ما يقرب من 8 أشهر: «كنت شغال سايس من 2013 وحتى بداية 2021 وكان الحي بياخد مني 200 جنيه زمان، بعد كده شوية بشوية الحي بقى بياخد 1000 جنيه علشان الناس بدل ما كانت بتدفع جنيه واتنين في 2013 بقت بتدفع 5 و10 جنيه».
«علاء الدين»: كورونا أثرت على شغلي
وروى «علاء الدين»، أنه بسبب جائحة كورونا لم يستطع توفير هذا المبلغ ليتراكم عليه ويتم طرده في النهاية ويلجأ بعدها إلى مسح الأحذية: «بسبب كورونا بقى عدد العربيات المسموح بركنها في الساحة أقل من النص مقارنة بزمان فمكسب اليوم بتاعي قل ومقدرتش أدفع فلوس الحي».
بعد انفصال «علاء الدين» عن زوجته ذهب للعيش مع والدته في شقتها بالجيزة والتي توفاها الله السنة الماضية لتتركه وحيدًا بلا ونس: «محدش بيجي يزورني من عيالي بقعد لوحدي.. بدفع إيجار 100 جنيه في الشهر وفاتورة المياه جاتلي بـ 83 جنيه، والكهرباء جاتلي بـ485 جنيه ومقدرتش أدفعها، ومعنديش ولا بوتجاز ولا أنبوبة في الشقة».
كثيرًا ما يعطف عليه أحد جيرانه بطبق طعامٍ أو كوب من الشاي، مؤكدا أنه يحصل على معاش قدره 450 جنيها من وزارة التضامن الاجتماعي نتيجة وجود عجز في يده اليمنى بنسبة 55%، إلا أنه يحتفظ بهذا المبلغ لسداد الفواتير الشهرية من المياه والكهرباء.
8 ساعات يقضيها «علاء الدين» على الرصيف مُنتظرًا من يأتي إليه طالبًا مسح حذائه أو يعطف عليه ببضعة جنيهات أو طعام يسند به صحته المُتهاونة: «ساعات واحد بيكون معدي بيديني باقي الوجبة بتاعته، أنا بكون خايف آخدها علشان كورونا بس بكون جعان ومضطر آخد وبقول يارب انت اللي تسترها.. بفضل موجود من الساعة 4 العصر لـ 12 بالليل وبرجع بعدها الجيزه»، مؤكدا أنه يُنفق 5 جنيهات في المواصلات أثناء ذهابه وإيابه.
«علاء الدين»: كان نفسي ولادي يعذروني
آلام نفسية كثيرة يكتمها الرجل الخمسيني بداخله، وهو يتذكر جحود أبنائه غير قادر على مُسامحتهم أو نسيان ما فعلوه به: «كان نفسي أولادي يعذروني، أنا زعلان منهم جدًا ومكنتش منتظر يعملوا معايا كدا.. مينفعش البنت تشتكي أبوها علشان الفلوس.. لما المحكمة كانت بتطلبني أحضر الجلسة مكنتش برضى أروح، أنا عندي أتدبح ولا أقف قدام بنتي في محكمة.. لما كنت شغال سايس كان معايا فلوس وكنت ببعتلهم، لكن دلوقتي مش معايا».
ويستكمل الرجل بقلب الأب الذي لا يهون عليه أبنائه مهما صدر منهم من أفعال: «رغم أنهم سايبني بس أنا مبسوط علشان هما مع والدتهم وهي بتاخد معاش والدها، فرحان أنهم مبسوطين ومعاهم يصرفوا.. أنا عادي أمد أيدي لكن بناتي لأ».