أمام محل بسيط لا تتعدى مساحته 10 أمتار، وعلى الجانب الأيمن لأحد الشوارع القديمة بحي بولاق أبو العلا بمحافظة القاهرة، يجلس «عم أحمد»، الرجل الستيني، ممسكًا «بابور جاز» في يديه منهمكًا في تصليحه، تلك المهنة التي قضى فيها نحو 5 عقود من عمره ولا يستطيع الآن هجرها.
بداية «عم أحمد» في تصليح «بوابير الجاز»
بنبرة ممتزجة بمشاعر الحنين إلى الماضي، بدأ «عم أحمد»، صاحب الـ62 عامًا، يروي لـ«»، عشرته الطويلة مع «بوابير الجاز»، موضحًا أنه توارث هذه المهنة عن أبيه منذ أن كان صبيًا، وأن الحادية عشر من عمره هي السنة التي حملت معها تعامله الأول مع «البوابير»، ورغم صغر سنه وقتها إلا أنه لم تمر عدة أشهر حتى صار «معلم».
«بقالي 50 سنة في المهنة دي وأعرف كل تفصيله فيها».. قالها الرجل الستيني بزهو واضح، وأنه لا زال يتذكر حتى الآن سهره لساعات متأخرة من الليل رفقة والده -رحمه الله– لإنجاز تصليح «البوابير» قبل أن يأتي أصحابها لاستلامها في اليوم التالي: «كنا بنفضل أنا وأبويا شغالين في المحل للساعة 3 أو 4 الفجر وكان بيعدي علينا عسكري الدورية لما كان بيمر في الحارة».
لم يُخفِ «عم أحمد» الضعف الكبير الذي أصاب المهنة وقلل من أهميتها خلال السنوات الأخيرة مع ظهور البوتاجاز بأشكاله وأنواعه الحديثة والمختلفة، وأن قلة قليلة من بقوا على عهدهم مع «بوابير الجاز» ولا زالوا يهتمون بها ولو من باب الاحتفاظ بالمقتنيات القديمة: «في ناس بتاخدها تشغلها في الشتاء تدفي الأوضة وفي ناس بتحتفظ بيها كديكور في البيت»، موضحًا أنه لا زال يحتفظ بـ«بابورين» كان قد صنعهما والده بنفسه منذ 80 عامًا.
«عم أحمد»: «لسة عندي بابور جاز في بيتي»
من المميزات التي يرى «عم أحمد» أن بابور الجاز يتفوق فيها على البوتاجاز بكافة أنواعه الحديثة، هو إعداده للطعام بشكل أفضل ويجعل مذاقه أحلى؛ وذلك لكونه يتمتع بلهيب نارٍ ساخن بعكس البوتاجاز الذي وصف ناره بأنها «نيَّة»، موضحًا: «الناس أصحاب المزاج في الأكل هي اللي تحب تحضر أكلها على البابور»، وعلى الرغم من استخدامه البوتاجاز في منزله، إلا أنه لا يزال يحتفظ أيضًا بالبابور.