رغم مرور 50 عاما، إلا أن مصطفى عباس، 90 عامًا، ما يزال قابضا على مهنة خبز وبيع الزلابية على عربة صغيرة بشارع المنشية وسط الأقصر، برفقة زوجته نادية هاشم البالغة من العمر 80 عامًا، في رحلة حب وكفاح خاضاها سويا قادمين من المنيا إلى الأقصر في ستينيات القرن الماضي، نجحا خلالها في تربية ابنتين، وتزويجهما، وما يزالا عاكفين على الاستمرار في عملهما دون كلل أو ملل، فهو مصدر رزقهما الوحيد.
البركة والعطاء في الرزق
في شهر رمضان من كل عام، يستعد الزوجان لتجهيز العربة وجلب الدقيق والسكر المطحون وكل مسلتزمات الزلابية، التي يكثر الطلب عليها خلال الشهر الكريم، وأصبحت علامة مميزة لرمضان في الأقصر، وعلى الرغم من تجاوز عمر العم مصطفى التسعين، ومعاناته من آلام القدمين، وضعف السمع، وضعف النظر، وإجراء عملية مياه بيضاء خلال العام الماضي، إلا أنّه ما يزال حريصًا على تلبية احتياجات وطلبات زبائنه، الذين يرون فيه البركة والعطاء، بمساعدة زوجته التي لولا وجودها لما استمر في عمله حتى الآن.
التفكير في المشروع بعد الخروج على المعاش
يحكي العم مصطفى، أنّه بعد خروجه على المعاش، بدأ التفكير في مصدر رزق يعيش منه هو وزوجته وابنتيه الاثنتين، وبعد محاولات للعمل هنا وهناك، استقر على شراء عربة خشبية صغيرة و«وابور جاز» ليبدأ في صناعة الزلابية، خاصة أنّه كان يعمل مع والده في صناعة الطعمية ولديه خبرة مشابهة.
اتخذ مكانا بمنطقة المنشية، أحد أشهر أماكن الأقصر التي تكتظ بالمواطنين، وبدأ العمل بمفرده في البداية، لكن مع تقدم السن أصبح يعاني من التعب، فبدأت زوجته في مساعدته، لكن طلبها قوبل بالرفض، يقول الرجل التسعيني: «هي عندها أعباء ومسؤوليات في البيت، لكن مع تقدم العمر أصرّت على مساعدتي، وبالفعل اتعلمت المهنة وبقت تساعدني في كل حاجة؛ تجهيز العجينة والتقطيع والقلي في الزيت ووضع السكر والتغليف».
كان الحب هو الدافع الذي جعل الرجل التسعيني، يستمر في عمله وليس جمع المال، خاصة أنّ الزبائن ما يزالوا يحرصون على الشراء منه، على الرغم من وفرة محلات الزلابية في المنطقة، يقول مصطفى: «الزباين لسه بتشتري، رغم أنّ فيه ناس كتير بتعمل زلابية أفضل مني، وكمان أنا لو قعدت في البيت يعتبر موت بالنسبة لي، وكل أمنيتي إنّ ربنا يحسن ختامي ويحفظ زوجتي وبناتي».