كأنه عارض أزياء، يلف «عنتر فرج» نفسه بالتحف الفرعونية المتنوعة، يحمل جزءًا في يديه، وآخر على كتفه وجزءًا ثالثًا على رقبته، لا يرى أنه يحمل مجرد تذكارات للسائحين في منطقة الأهرامات بأسعار زهيدة الثمن، بل هو جزء من تاريخ المنطقة التي تشهد على وجوده فيها منذ عهد الملكية، وسيطرة القوات الإنجليزية على المناطق الأثرية في القاهرة، حتى صار هو الآخر «علمًا» يعرفه السائحون، ويسألون عليه بالاسم خلال أي زيارة لمصر.
«وأنا عندي 6 سنين كان زملائي لسة بيلعبوا وبيتعلموا يمشوا، لكن أنا كنت بقبض أول فلوس ليا من شغلي في منطقة الأهرامات» كلمات يقولها «عنتر» لـ«» بينما تبدو علامات الفخر والسعادة عليه، موضحًا أن مهنة بيع التحف والأنتيكات الفرعونية تعلمها بالوراثة من والده، إلى جانب تأجير الدواب للسائحين: «رغم إني اتعرض عليا شغلانات تانية كتيرة لكن رفضت لأني حبيت الشغلانة، أنا كل قطعة بعرضها عارف حكاياتها وتاريخها، علشان كدة السياح بيعرفوني وبيحكوا عني لأصحابهم ولما بيجوا بيسألوا عليا بالاسم».
«عنتر»: أحفظ الكتب التاريخية كي أحكي التاريخ المصري بدقة للسياح
يبدأ «عنتر» في السادسة صباحًا، إذ يتناول إفطارًا سريعًا، ثم يرتب التحف والأنتيكات وأوراق البردي بعناية فائقة كأنها أبنائه، يلف بها نفسه، ولا ينسي أن يراجع الكتب التاريخية خصوصًا عن الحقبة الفرعونية التي تقدم معلومات عن تلك القطع الأثرية، وبعض تلك الكتب اشتراها بنفسه، والبعض الآخر كانت كتب مدرسية لأبنائه خلال المرحلة الإعدادية والثانوية، ثم ينطلق إلى منطقة الأهرامات ليبيع بضاعته: «السياحة في مصر مش بس مصدر دخل للبلد، دي بتعرف الناس تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا والحمدلله السياحة ماشية كويس بقالها فترة والناس من كل مكان بتيجي علشان تشوف الأهرامات وتشتري التحف».
«عنتر»: عاصرت إدارة القوات الإنجليزية لمنطقة الأهرامات
تبدو علامات الشيب واضحة في ملامح «عنتر» في الشعر الأبيض الذي غزا رأسه، إذ تجاوز الـ70 عامًا، ولكن ذاكرته لم تتأثر بالزمن، فهو لديه حكايات لا تنضب عن شكل الحياة والسياحة في منطقة الأهرامات وقت سيطرة القوات الإنجليزية عليها فترة الملكية، إذ كانت الإدارة عبارة عن قائد إنجليزي وضابطين مصريين تحت إمرته: «كانت الحياة لطيفة وقتها، كان الضباط الإنجليز بيحبوني علشان أنا صغير وبشتغل في نفس الوقت، فكانوا بيتلموا حواليا يقعدوا يهزروا ويضحكوا، والأجمل بالنسبة لي اللبس الشيك للزوار والسياح».
يعيش «عنتر» في منطقة «نزلة السمان» مع زوجته وأبنائه الخمسة وأحفاده، وعلى الرغم من حصوله على فرص عمل خارج مصر، وبأجر يجعله ينتقل إلى مستوى معيشي مرتفع إلا إنه بعد أن سافر وبدأ العمل تراجع وقرر أن بلاده وعائلته هي الأولى بوجوده ومجهوده، مشددًا: «اتعرفت على مجموعة من السائحين الإنجليز في فترة السبعينيات وحبوني جدًا، وكنت محبوب من الكل، وفي ناس منهم جابوا لي شغل في إنجلترا وفعلًا سافرت، وبعد ما روحت هناك حسيت روحي انقبضت وافتكرت ولادي وبلدي وفي أول طيارة قررت أرجع».