أفنى عمره فى رعاية ابنته، ولم يدخر جهداً لتحقيق أمانيها، لكنه تلقى مكافأة نهاية الخدمة بأن أودعته داراً لرعاية المسنين، ليعيش ما تبقى من عمره داخل الغرف المغلقة، فريسة لذكرياته الأليمة.
يحكى محمد عوض، لـ«»، عن معاناته مع الوحدة القاتلة، حيث كانت حياته تسير بشكل طبيعى مع زوجته وابنته الوحيدة، التى كان يوفر لها كل شىء بغير حسبان حتى تزوجت، وظل يدعمها ويساندها فى كل خطوة بمسيرتها المهنية، إلى أن حققت حلمها وأصبحت مديرة بإحدى عيادات التمريض، لتنسيها مشاغل الحياة أحن وأرق البشر عليها.
فقد شريكة حياته وهربت زوجته الثانية وابنته الوحيدة تخلت عنه
عاش «عوض» مع زوجته فى شقة بالإيجار يحنو كل منهما على الآخر، ولم يتخيل أن يقع أسيراً للوحدة بين يوم وليلة، ففقد شريكة عمره وضاقت عليه الحياة بما رحبت بعد بلوغه سن المعاش، لتشتد عليه الوحشة والظلام الذى كان يعيش فيه، ويصاب بالأمراض: «جاتلى جلطة فى الناحية الشمال من جسمى، ومابقتش قادر أمشى ولا أخدم نفسى، وقعدت على كرسى متحرك».
قرر الرجل أن يتزوج ثانية، ليخفف عن نفسه شعور الوحدة القاتلة ويزيل الهم من قلبه، ولكن الحظ لم يحالفه هذه المرة فقد خدعته بحبها له: «اتجوزت عشان ألاقى حد جنبى يونسنى، لكن خانتنى وهربت».
منذ سبعة أشهر قرر أن يعيش مع ابنته ووسط أحفاده، ليقضى معهم بقية حياته، وتتحسن صحته، فقد تبدل الهم والحزن بالفرح، لكنه لم يعلم أنها سعادة مؤقتة، فى جو عائلى مزيف سرعان ما انتهى بعد أربعة أشهر: «بنتى استحملتنى كام شهر، بس أنا حسيت إنى تقيل عليها هى وزوجها وعيالها، وقُلت لبنتى عايز أروح دار مسنين، ووافقت».
وجد «عوض» الألفة والونس فى إحدى دور رعاية المسنين، لم يستعد سعادته كاملة، لكنه لم يجد نفسه وحيداً مرة أخرى، بخلاف زيارة ابنته له على فترات للاطمئنان على صحته: «أنا قاعد فى الـدار كأنى فى البيت، بس صعبان عليا نفسى عشان مابقـومش، نفسى أرجع أمشى على رجلى من تانى».