رفات الشهيد المصري محمد فتحي فرغلي في فلسطين
لسنوات عديدة احتفظ المواطن الفلسطيني وليد العقاد، برفات ومقتنيات محمد فتحي فرغلي، ضابط مصري استشهد في حرب 1967؛ نقلها من موقع الاستشهاد إلى جوار قبر والده في خان يونس؛ تكريما له وتعظيما لدوره في الدفاع عن القرية خلال الحرب.
منذ ما يزيد عن 30 عامًا يسعى «العقاد» إلى الوصول لعائلة الضابط المصري الشهيد؛ كي يستنى له تسليم رفاته لذويه تنفيذًا لوصية والده: «دفنت رفات الشهيد في المدافن الخاصة بينا وتحديدًا جنب قبر والدي، وكل سنة بزوره وبحتفل بيه مع أهل بلدتي».
محاولات الوصول إلى أسرة الشهيد محمد فتحي فرغلي
محاولة الوصول لعائلة الشهيد محمد فتحي فرغلي، جاءت لتكريم اسمه ليظل حاضرًا بدوره البطولي في الدفاع عن الأرض: «كان اسمه مكتوب في الكارنية اللي الصليب الأحمر استلمه مننا، وكان مكتوب إنه من المحلة الكبري»، متابعًا: «حلم حياتي قبل ما أموت أوصل لأهله، لأنه ضحى بعمره علشان ولادنا تعيش في سلام، ونال الشهادة ويستحق التكريم وتخليد اسمه للأبد».
ترجع تفاصيل استشهاد الضابط المصري إلى صباح يوم 5 يونيو من العام 1967، إذ بدأت الأمور تضطرب في نطاق قطاع غزة، بعد قصف عدة مواقع، وخلال ذلك كانت عائلة «العقاد» تمكث في بيوتها بخان يونس، تراقب بحرص وحذر ما يجري بالخارج، حتى جاءت تلك اللحظة التي لا زالت عالقة في ذهن «العقاد»، الذي تخطى حاجز الـ70 عامًا، بعد أن شاهد القصف النيراني الكثيف على إحدى النقاط التابعة للجيش المصري بالقرب من منزله «نقطة مراقبة».
قصف نيراني في كل مكان
تفاصيل مؤلمة عاشها «وليد»، بعد أن سمع والده صوت النيران ليصيح الأب بأعلى صوت له «خذوا ساتر النيران تزداد»، وقعت تلك الكلمات كالصاعقة على «العقاد»، الذي لم يكد يكمل حينها 17 عامًا، زادت ضربات قلبه وتصبب العرق من شدة الخوف، حتى ظهر ضابط مصري ومعه جنديان من فلسطين داخل نقطة تمركز أمني بالقرب من منزل عائلة «العقاد»: «كانت نقطة مراقبة تابعة للكتيبة المصرية وكانت قريبة من ديارنا بشدة وكان هدفها تأمين القرية من أي هجوم».
الشهيد المصري رفض نزول الملجأ
ظهور الضابط المصري أشعر العائلة بالأمان خاصة أنه كان يبدي شجاعة منقطعة النظير في التصدي للقوات الإسرائيلية التي كانت تهاجم المنطقة: «كان فيه ضرب كثيف جدًا بالمدفعية والدبابات، كانت تتقدم من حدود 48 لحدود غزة، ولما حاولت قوات إسرائيل تدخل غزة لاقت مقاومة كبيرة جدًا، لأن المواقع المصرية كانت تأخذ استعداداتها وقاومت بشدة واستشهد كتير من أخواتنا».
شدة القصف أجبرت العائلة على الانتقال إلى جوار مسجد مصطفى العقاد بخان يونس، في نقطة آمنة إلى جوار موقع المراقبة، الذي كان يضم الضابط المصري محمد فرغلي، وكان يدافع عن الموقع ببسالة شديدة: «كان ملازم أول وكان شديد وقوي ومكنش خايف من القصف الشديد، لكن إحنا كنا نخاف ومن شدة خوفنا، والدي نادى عليه، وطلب منه ييجي يدخل معانا الموقع الآمن هو والجنود اللي معاه، لكن رفض وقال لوالدي، ماتخفش يا حاج ادخل جوه وخلي بالك من أسرتك».
يتذكر «وليد» ما حدث بعد كلمات الضابط وكأنها حدثت منذ أيام قليلة، إذ يقول إنه بعد رفضه الهروب إلي الملجأ، جاءت سيارة «جيب» إسرائيلية؛ لاستطلاع الموقع، لكن باغتها الضابط المصري الشهيد بوابل من النيران حتى أسقط قائد القوة وكان برتبه «كولونيل»، وسائق قوة الاستطلاع وضابط آخر كان ضمن القوة المهاجمة، ليصاب «فرغلي» بقذيفة في أثناء الهجوم: «خرجنا من الملجأ ونزلنّاه عندنا ومكنش لسه نال الشهادة وكان بيكَّبر، وبعدها بلحظات استشهد، وإحنا انتقلنا لمكان تاني، بعد ما دفناه بملابسه العسكرية، وأخدنا الكارنية تبعه وسلمناه للصليب الأحمر علشان يعثروا على أهله».
تخليد وتكريم الشهيد المصري
بعد 30 عامًا على استشهاده قامت بلدية خان يونس بفتح شارع كان يمر إلى جوار قبر الشهيد المصري، وطلبوا بضرورة نقل رفات الشهيد المصري إلي موقع آمن وبالفعل استجاب «العقاد» سريعًا ونقل الرفات إلى مقبرة الأسرة بخان يونس؛ ليدفن بجانب والده، بعد تشييع رفاته مرة أخرى وسط الآلاف من الحضور، لتوديع الشهيد المصري.
يحكي «العقاد»: «عملنا له جنازة تتحاكى بيها المحافظة حتى الآن، كان فقط ينقصها أن تكون جنازة عسكرية، رحنا مقابر عائلتي وعملت له شاهد كبير بالعلمين المصري والفلسطيني، والموضوع تناقلته العديد من القنوات الفلسطينية، وجرى تكريمي أمام مندوبي الدول العربية، وعملت متحف حضاري وخصصت جزء من المتحف ده لمقتنيات الشهيد، اللي كان معاه لحظة الشهادة، وكانت عبارة عن خوذة وسلاح وجربات للذخيرة وحذاء».