رغم الظروف الصعبة التي يمر بها، وبحثه الدؤوب عن فرصة عمل، إلا أنه لم يبخل في يوم ما أن يساعد الآخرين، إذ ألهمته الحياة ودفعته لصنع آلة كهربائية جاهزة؛ لرفع المعاقين وحمل ونقل كبار السن من وإلى السرير، أو إلى الكرسي المتحرك، أو أثناء ركوب السيارات، بسعر زهيد.
الفكرة بدأت من معاناة عمته اليومية
أبو بكر أحمد، ابن محافظة الأقصر، 33 عاما، استطاع خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الـ24 ساعة، أن يصنع جهازًا كهربائيًا، من أجل رفع المعاناة عن «عمته»، التي وجدها منذ أن فتحت عيناه على الدنيا، تسهر على خدمة فلذتي كبدها، وتجلس تحت أرجلهما، كاتمة الإرهاق الجسدي والنفسي الذي حل بها منذ أن أنجبت ولدين الأول كان طريح الفراش، والثاني مصاب بإعاقتين حركية وذهنية.
«من كتر الشيل فيه بصراحة قلت أوقفه كنوع من المساعدة ظهري اتمزق».. هكذا وصف الشاب الثلاثيني، دبلوم صنايع، جزء من معاناة «عمته» اليومية، قائلا إن نجلها يعاني من إصابة شديدة تعوق حركته، أصيب بها منذ أن خرج للحياة، وأنه كثيرًا ما يتردد على بيت عمته ليجدها تحمله على صدرها تارةـ وكتفها تارة أخرى، من أجل وضعه وإدخاله إلى دورة المياه، أو الذهاب إلى مركز التأهيل الذي تترد عليه مرتين أسبوعيا، حسبما روي الشاب الأسباب والدوافع التي دعته لصناعة تلك الرافعة الكهربائية.
لم يكن «أبو بكر» متخصصًا في صنع تلك الآلات، أو يعمل في مجال الهندسة أو الميكانيكا، بل كان يعمل فنيًا في تصنيع أدوات السباكة: «شفت مقطع فيديو على الفيس بوك، لست أجنبية بتنزل من العربية مع بنتها، وجنب العربية جهاز كبير شبه الجرار الصغير، بيشدها لفوق عشان يقعدها على الكرسي المتحرك، من غير مساعدة من حد».
بداية تصنيعه للرافعة الكهربائية
من هنا جاء في مخيلته صورة عمته وهي تحمل ابنها، وترددت في أذهانه كلمات الآهات التي كانت تصدرها بصوت خافت، حرصا على مشاعر هذا الشاب العاجز، الذي لاحول ولا قوة، مقررا صناعة هذا الجهاز، فأحضر ورقة وقلما، ورسم الشكل الذي شاهده في الفيديو ليشرع في تنفيذ الجهاز: «عملته في 12 ساعة بس، مكنش حد مصدق من أهالي القرية، اشتريت الحديد وروحت لمحل الحدادة عشان اللحام، وفي اللحظة دي الأهالي أعجبوا بالفكرة، وبعضهم تبرع بالمال لمساعدته».
روت العمة «نجاح» السيدة الستينية، أنها عانت كثيرًا طوال 37 عامًا مع ابنيها: «بعد وفاة أبوهم لقيت نفسي لوحدي، مع شابين معاقين، الأول مات بعد 21 سنة، دلوقتي كل معاناتي ومعاشي بصرفهم على علاج ابني التاني»، لافتة إلى أن الجهاز الكهربائي، الذي صنعه ابن شقيقها، سيخفف من معاناتها كثيرا.