تحل اليوم ذكرى وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي توفي 14 أكتوبر عام 1932، وترك خلفه تراثًا ضخمًا من الشعر، وخلف أعظم ديوان شعر في العصر الحديث، ويعتبر «شوقي» من رواد النهضة الأدبية والفنية التي مرت بها مصر في العصر الحديث، وأما في مجال الشعر فالتجديد واضح في معظم قصائده التي قالها، وذلك كله وارد في ديوانه «الشوقيات».
وديوان «الشوقيات» عبارة عن أربعة أجزاء، تشتمل على جميع منظوماته الشعرية في القرن التاسع عشر، وفي مقدمتها سيرة حياته، وتحتوي القصائد التي تحدث عنها الديوان على المديح والرثاء، والأناشيد، والدين والحكمة، والتعليم والسياسة، والمسرح والوصف، والمدح والاجتماع وغيرها من الأغراض العامة.
ويظن الكثيرون أنه كانت هناك عداوة بين «شوقي» وحافظ إبراهيم، نظرًا لكثرة الهجاء الذي كان بينهما، ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، وما يدل على ذلك، المرثاة التي رثاها «شوقي» لحافظ إبرهيم عندما جاءه نبأ وفاته، التي مطلعها: «قد كنتُ أُوثرُ أَن تقولَ رِثائي.. يا مُنْصِفَ الموْتى من الأَحياءِ»، وهي مرثاة تعبر عن مدى العلاقة القوية التي نشأت بين الشاعرين، ووصفه فيها بأعظم الوصف، ومدحه أكرم المديح.
هجاء شوقي لحافظ إبراهيم
كان أحمد شوقي وحافظ إبراهيم يتسامران في إحدى جلساتهما، فأحبا أن يتبارزا بالشعر، فقال حافظ لشوقي: «يقولون إنّ الشوق نار ولوعة.. فما بال شوقي اليوم أصبح باردًا»، فما كان من «شوقي» إلا أن رد عليه بسرعة بديهة، فقال: «استودعت إنسانًا وكلبًا أمانة.. فضيعها الإنسان والكلب حافظ»، واستخدم كلا منهما في البيت الذي قاله أسلوب التورية، حتى يظهر للسامع بأنه ليس هجاءً لكنه في الحقيقة هجاء مقصود، فـ«حافظ» وصف «شوقي» بأنه بارد المشاعر، و«شوقي» نعت حافظًا بالكلب، الذي يظهر من بيته، بأنه يريد أن يقول إنه استودع أمانة لإنسان وكلب فحفظ الكلب الأمانة، وضيعها الإنسان، ولكن ما قصده «شوقي» حقيقة هو شتم صاحبه، وفقًا لِما أكده الناقد الأدبي الدكتور رضا عطية، خلال حديثه لـ«»، الذي أضاف أن مثل تلك الأمور عادية جدًا وكثيرًا ما كانت تحدث بين الشعراء قديمًا.
موت حافظ ورثاء شوقي له
كان شوقي في أحد مصايفه بالإسكندرية، فجاء نبأ موت حافظ إبراهيم إلى سكرتيره، لكن هذا الأخير رفض إعلامه؛ كي لا يعكر عليه صفوه، وعلمه بمدى حب شوقي لحافظ، ولكنه أعلمه بعد عدة أيام، فتلقى الخبر بصدمة وقال أول بيت من مرثاته الشهيرة: «قد كنتُ أُوثرُ أَن تقولَ رِثائي.. يا مُنْصِفَ الموْتى من الأَحياءِ»، الذي عبر فيه عن تمنيه الموت قبل صاحبه، وأكمل مرثاته فقال في أبيات منها: «وأَتيْـت صحراءَ الإِمامِ تـذوبُ من طُولِ الحنينِ لساكن الصحراءِ، فلقيتَ في الـدار الإِمامَ محمدًا.. في زُمْرَةِ الأَبرارِ والحُنفـاءِ»، ثم ختمها بقوله: «خلَّفْت في الدنيا بيانًا خالدًا.. وتركْت أَجيالاً من الأبناءِ، وغـدًا سـيذكرك الزمانُ ولم يَزلْ.. للدِّهـرِ إِنصافٌ وحسـنُ جـزاءِ»، ومن الجدير بالذكر أن «شوقي» لم يعش بعد «حافظ» إلا أيام قليلة ثم لحقه.