| «قرش صاغ» أنقذ الاقتصاد المصري من أزمة عالمية.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

في كل الأزمات الاقتصادية سواء المحلية أو العالمية، يصطف الشعب المصري ويقف يدًا واحدة لتجاوز التداعيات السلبية على الاقتصاد المصري، وقبل هذه الأزمة التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، شهد العالم أزمة أخرى في عشرينيات القرن الماضي، وكان لها تأثيرًا كبيرًا على مصر، وسميت بأزمة الكساد الكبير.. لكن الغريب أن المصريين أنقذوا الاقتصاد بـ«قرش صاغ».. فما القصة؟

أزمة الكساد الكبير وتأثيرها على مصر

الكساد الكبير أو الانهيار الكبير هي أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929 وبدأت في أمريكا مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية فيما يعرف بـ«يوم الثلاثاء الأسود»، وكان لها تأثير مدمرًا على كل دول العالم الفقيرة والغنية وانخفضت التجارة العالمية كما انخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح، وبحسب الكاتب علي شلبي في كتابه أزمة الكساد العالمي الكبير وانعكاسها على الريف المصري (1929- 1934)، كان لهذه الكارثة الاقتصادية آثارها القوية على الاقتصاد المصري، باعتبارها إحدى المستعمرات التي تدور فى فلك إنجلترا، وأيضًا لارتباط العملة المصرية بالإسترليني.

وظهرت أولى آثار الأزمة الاقتصادية في مصر على شكل انخفاض رهيب في أسعار القطن وصعوبة بالغة في تسويقه، كما تناول «شلبي» الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في مصر عامة والريف خاصة في فترة الكساد العالمي الكبير، كذلك الأوضاع الاجتماعية للريف، وتأثر أحوال المعيشة والزواج والطلاق والتعليم والصحة، وما نتج عن الأزمة من بطالة وإجرام وبغاء ومخدرات.

إنقاذ الاقتصاد المصري بمشروع «القرش»

ظهر مشروع القرش في العام 1931 وكان فكرة السياسي أحمد حسين، مؤسس حزب مصر الفتاة، والصحفي فتحي رضوان، الذي أصبح وزيرًا للإرشاد القومي (الثقافة) حاليا، بعد ثورة 23 يوليو، وكانا طالبين في كلية الحقوق آنذاك، واعتمدت فكرة المشروع على أن يتبرع كل مواطن مصري بقرش صاغ واحد للمساهمة في إنقاذ الاقتصاد المصري، وفي هذا التوقيت كانت هناك معركة الطربوش حيث كانت مصر تستورد الطرابيش من النمسا، إلى أن أسس محمد علي باشا، مصنعًا لتصنيعها هي وغيرها من السلع المستوردة؛ كي تنهض مصر وتعتمد على مواردها وصناعتها فتحالفت الدول الغربية ضد مشاريع الباشا وتوقفت كثير من المصانع ومنها مصنع الطرابيش؛ مما اضطر مصر لاستيرادها والطربوش تحديدا يعبر عن التمسك بالهوية ية المصرية الشرقية الإسلامية في صراع مع الهويات الأخرى المقلدة للغرب والتي ترى أن القبعة هي بديل الطربوش ومن المفترض أن يرتديه المصريون كغطاء للرأس.

وذكرت الباحثة ميساء محمود خليفة، في رسالة ماجيستير في العام 1989 لكلية الدراسات الإنسانية والعربية بجامعة الأزهر بعنوان (أحمد حسين في السياسة المصرية 1929 – 1952)، أن الدكتور علي إبراهيم باشا كبير جراحي مصر وعميد طب القصر العيني، تولى رئاسة مجلس إدارة جمعية القرش وقال: «سأعطيكم اسمي تتصرفون به كما تشاءون وقد ظل اسمي طول عمري نظيفا فأبقوه نظيفا كما هو»، وتولى أحمد حسين سكرتير عام المشروع.

17 ألف جنيه حصيلة مشروع القرش

بلغت حصيلة مشروع القرش في العام الأول 17 ألف جنيه ودعم إسماعيل صدقي باشا رئيس الحكومة، المشروع وأعطى توجيهات للحكومة بتقديم كل التسهيلات للقائمين عليه واشترك في المشروع آلاف المتطوعين في كل ربوع مصر، وكان من بين المتبرعين في المشروع الطالب جمال عبد الناصر.

ودعمت الصحف المشروع ومنها مجلة الهلال التي أصدرت عدد خاص تحث فيه الشعب المصري على المشاركة والتبرع للمشروع، وخصصت إيراداته لصالح جمعية القرش، ودعمت الأحزاب السياسية الفكرة وعلى العكس حزب الوفد المعارض حينها للحكومة، هاجم المشروع حيث قال مصطفى النحاس باشا رئيس الحزب إن هدف المشروع هو: «إبعاد جهود الشباب عن قضية مصر الحقيقية وهي جلاء الاحتلال الإنجليزي»، وخرج أعضاء الحزب في مظاهرات تنادي بسقوط أحمد حسين بهتاف: «يسقط يسقط حرامي القرش»، واتهموه باختلاس أموال المشروع مما اضطره للاستقالة.

إنشاء مصنع من عائد مشروع القرش

أسفر المشروع بالفعل عن إنشاء مصنع في العباسية بالتعاقد مع شركة هاريتمان الألمانية وافتتح المصنع في فبراير من العام 1933 وجرى تصنيع الطربوش في مصر بأيد مصرية وأضيفت إلى صناعته صناعة البطاطين الصوفية وبريهات الجيش ودعم طلعت باشا حرب المصنع وساعد على تطويره وإنجاحه.