عاد محمد علي، 45 عامًا، من عمله كمهندس كمبيوتر، أمس بوقت متأخر من الليل مستقلاً مترو الأنفاق المتجه لمحطة المرج، جلس على المقعد مغمضًا عينيه ليرتاح من عناء اليوم الشاق، وفور أن فتحها راحت أنظاره تجاه طفل صغير، عمره 10 سنوات، ملابسه ملطخة بالتراب ووجهه ملوث بالبقع، ينام في سبات عميق كأنه لم ينم منذ أسابيع، ليفكر في حال الصغير الذي ذاق مرارة الحياة قبل أن يكبر.
يقضي الطفل يوسف زين العابدين، حياته في المترو رفقة شقيقته «رحمة»، 14 عامًا، أحيانًا يقومان بشراء الأطعمة ويبيعانها طوال اليوم، وتغفل أعينهما في أي وقت دون فراش يحميهما من برد الشتاء القارس، يتجه كل منهما إلى ناحية ويبحثان عن بعضهما مرة أخرى في محطات المترو.
تلك القصة يحكيها «محمد»، لـ «»، والتي عرفها نقلاً عن الطفل «يوسف»، بعد ساعات قضاها الصغير داخل بيت المهندس، موضحًا أنهما تبادلا الحديث معًا، مؤكدًا أن الطفل يتيم الأم، ويقطن في مدينة حلوان، وطرده والده بعد موت أمه صعقًا بالكهرباء، مضيفًا: «المترو كان خلاص وصل آخر الخط ومش هينفع نسيبه لأنه هيقف ومش هيشتغل غير الصبح، وشغلني حال الطفل اللي هيقضي الوقت كله في المترو، لما اتكلمت معاه عرفت قصته وكان عاوز ينام كأنه مانمش من وقت طويل جدًا، اضطريت أخده معايا البيت بعد ما فشلت أني أعرف هروح بيه فين».
«يوسف» يبحث عن «رحمة» شقيقته
ذهب «يوسف» مع المهندس إلى بيت الأخير، وقام بمساعدته في تغيير ملابسه وتنظيفه تمامًا، ولم يأكل الطفل كثيرًا حتى ذهب للنوم سريعًا كأنه «جعان نوم»، وعرف بعد حديثهما معًا أنه حين يرجع الطفل إلى بيته، يقابله والده سائق الميكروباص بالطرد: «أخدته معايا البيت وصحي من النوم النهارده الساعة 9، وكان عاوز يعيش معايا وأرحمه من الشارع، بس أنا مقدرتش لأن دي مسؤولية كبيرة، وعندي 4 أولاد وفي بيت عيلة، وبعد كده سبته يدور على أخته في محطات المترو».
حياة داخل «المترو»
أعطى «محمد»، رقمه في ورقة مكتوب لـ «يوسف»، طالبًا منه أن يتواصل معه حين يجد شقيقته، وعاد مرة أخرى الطفل ليتصل به ويخبره أنه لم يجد «رحمة»، ولا يعرف ماذا يفعل: «مش عارف أعمل ايه معاه وفي نفس الوقت صعبان عليا وجوده في الشارع».