| قصة رجوع «سيدة الكرنك» إلى أسرتها بعد 45 سنة غياب.. «السر في السوشيال ميديا»

«مسير الحي يتلاقى».. قد تكون هذه الكلمات هي الأنسب والأكثر شرحًا لقصة الحاجة رضا عبدالرحيم، الملقبة بـ«سيدة الكرنك»، التي غابت عن والديها وهي طفلة تمرح في الربيع السادس من عمرها، لتشرد في الشوارع من بلدةٍ إلى أخرى على أمل العودة إلى أسرتها، وتظل على هذا الحال طيلة 45 عامًا كاملة، حتى عادت أخيرًا ليستقبلها الأهل والجيران بفرحة كبيرة شكلتها زغاريد النساء وتبريكات الرجال وتهليلهم.

بدأت قصة «رضا» وهي في السادسة من عمرها، حينما كانت تلهو بجانب والدتها التي تجلس بعباءتها السمراء تبيع بعض الخضروات والفاكهة البسيطة بجوار السكة الحديد بمدينة الفشن محافظة بني سويف، وبدلًا من التشبث بوالدتها راحت «رضا» مدفوعة بتلقائية الطفولة وعفويتها تستقل أحد القطارات، الذي لم يعذر بساطتها وقلبها الصغير وراح يتحرك بها ولا يسمح لها بالنزول سوى بعد عدة ساعات، وبدلًا من رؤية والدتها و«فرشة البضاعة» بجوار المحطة، وجدت نفسها في مكان غريب لا تعرف فيه أحدًا ولا أحد يعرفها، والكل يمر بجانبها بلا اكتراث لأمرها، لتبدأ من وقتها حياة جديد خالية من الأب والأم والأشقاء و«فرشة البضاعة» بل وخالية من اللهو ولا تعرف سوى الشقاء والدموع.

رجل طيب يعثر على «رضا» ويتولى تربيتها

ظلت «رضا» تتنقل بين شوارع تلك البلدة الجديدة التي ألقاها عليها القدر في صورة قطار، لا تعرف ماذا تريد أو إلى أين تذهب، حتى لفتت هيئتها وهي تمشي شاردة انتباه رجل طيب، حاول مساعدتها وأخبرها بأنها موجودة الآن في مركز ملوي بمحافظة المنيا، وعندما فشل في معرفة قصتها جيدًا أو من أين جاءت قرر أن يأخذها معه يتولى تربيتها كواحدة من أبنائه.

مرت السنون على الطفلة داخل منزل الرجل وهي لا تزال تتذكر والديها يوميًا وتحاول العودة إليهما ولكن دون جدوى، فلم تعد تتذكر ما حدث معها أو من أين جائت، لكنها قررت في الخامسة عشر من عمرها الخروج من منزل الرجل إلى الشارع واستكمال البحث عن والديها، وعلى الرغم من كونها لم تعد تعهد اللهو إلا أن العفوية ظلت تلازمها، فراحت تستقل القطار مجددًا على أمل أن يُعاد «شريط» حياتها من جديد، ويُنزلها تلك المرة على المحطة القديمة، حيث والدتها و«فرشة البضاعة»، إلا أن القطار استكمل عبثه معها وراح ينقلها تلك المرة إلى محافظة الأقصر، لتبدأ مرحلة أخرى من حياتها.

«رضا» تتزوج من رجل كفيف

بعد شهور وسنوات طويلة من البحث والسؤال لم تتمكن «رضا» من الوصول لأهلها، بل أهداها القدر معرفة رجل كفيف طيب، تزوجا ومرت عليهما سنوات طويلة أنجبا خلالها 5 أبناء، وكانت شاهدة على تغير كل شيء في حياتها عدا حلم العودة لأهلها، الذي بدأت تُغزل أولى حلقاته برويها قصتها لإحدى جيرانها فطمأنتها وأخبرتها بأنها ستعرض قصتها وصورتها على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»؛ كون ذلك سيساعد في الوصول لأهلها.

لم تمر عدة أيام حتى صَدقَ كلام جارتها واكتملت حلقات عقدها الذهبي (حلم العودة للأهل)؛ إذ تعرَّف على صورتها أحد أقاربها، فراح بدوره يركض مهللًا إلى والدتها المسنة التي ترقد على فراشها تنتظر خبر رجوعها، وما هي إلا ساعات حتى تجمعت الأسرة بالكامل والمقربون وسافروا جميعًا إلى الأقصر لإعادة ابنتهم التي فقدوها قبل 45 عامًا غير مصدقين لعبثية القدر ورحمة الله وتدبيره، لتعبر والدتها خلال حديثها لـ«» عن فرحتها لعودة ابنتها، قائلة: «كان عندي إحساس أنها عايشة وأنها هترجعلي في يوم من الأيام».

عادت الحاجة رضا عبدالرحيم وأبنائها مع أسرتها إلى مدينة الفشن بمحافظة بني سويف، وليستقبلها الأقارب والجيران بحفاوة شديدة ويقضوا ساعات طويلة في الرقص والتهليل وتوزيع المشروبات على المارة احتفالًا بعودتها، وراح جميع رواد الـ«سوشيال ميديا» يتبادلون القصة عبر صفحاتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، مانحين إياها لقب «سيدة الكرنك»، نسبة للسنوات الطويلة التي قضتها بالأقصر بعيدة عن أسرتها.