لم يترك الرحلة يوما منذ أن ولد في محافظة سوهاج، تغيت ملامح منصور علي -62 عاما- بائع عرق سوس، في منطقة السيدة زينب، ليكسو الشعر الأبيض رأسه، ويصبح وجهه مجعد، ورغم تقدمه في العمر إلا أنه لازال يعمل ويتجول يوميا في الشارع يبيع العصائر لزوار السيدة زينب.
رحلة كفاح بدأت مبكرا عندما ضاقت الظروف على والده حينها كان «منصور» لم يتجاوز عمره السابعة، ليصبح مسؤولا عن الأسرة، يترك المدرسة ويذهب إلى محافظة الإسكندرية كي يعمل هناك، بهدف توفير النقود اللازمة للأسرة والتي تكفل لأخوته الاستقرار والأمان: «اشتغلت وأنا عندي 7 سنين، روحت إسكندرية وكنت باخد 6 قروش في اليوم، اتعلمت إزاى أخمر العرق سوس، الشغل كان بهدلة وكان سني صغير، لكن الظروف وقتها حكمت بكدة ومكانش ينفع أقعد».
ظل الستيني لسنوات يعمل في الإسكندرية، حتي جاء ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يلجأ إلى القاهرة التي كثيرا ما سمع عنها، حينها كان هدفه الإنفاق على ذويه بعدما تزوج وهو لازال يعمل في الإسكندرية، ليجد نفسه مطالبا بالإنفاق على 6 أبناء وزوجته أيضا: «اتجوزت وخلفت 6 عيال، 4 بنات وولدين، وفجأة لاقيت الدنيا ضاقت في إسكندرية قلت يبقي أغير المكان، وفعلا جيت القاهرة من 10 سنين».
يستيقظ الرجل مع دقات الخامسة ليقوم بتجهيز المشروب الذي يعد الأشهر في مصر، لتبدأ رحلة الشقاء مبكرا: «بخمر العرق سوس واشتري التلج، وبعد كده أنزل ألف في الشوارع، وفي آخر اليوم بروح عند مسجد السيدة استرزق وربنا بيكرمني».
لا يعرف العجوز الستيني سوى تلك المهنة التي كانت سببا في ستر بيته وتزويج اثنين من أبنائه: «مليش مصدر دخل تاني غير ده، والدنيا ماشية الحمد لله، لكن أكيد نفسي أقعد مع عيالي اليومين اللي فاضلين ليا في الدنيا، طول عمري متغرب وبلف من هنا لهنا».