فلاح بسيط يحمل سمرة الجنوب، يغطي الجزء الأكبر من وجهه وتجاعيده لحيته البيضاء المخلوطة بالشعر الأسود، أعلى رأسه عمامة بيضاء وفوق كتفيه عباءة لا تعرف الأبهة، تلك هي مواصفات صورة مطبوعة على ورقة من أندر العملات القديمة، التي تعد حلمًا بالنسبة لهواة جمع العملات والمعروفة باسم «جنيه إدريس»، المقدر قيمته حاليا بآلاف الجنيهات لندرتها، وفقا لتقدير محمود حنفي، تاجر وهاوي عملات قديمة.
متى ظهر «جنيه إدريس» لأول مرة؟
ظهر «جنيه إدريس» لأول مرة عندما صدر الجنيه المصري في العام 1924 وتلاها مجموعة من العملات، ووقتها استقبل الجميع الصورة المطبوعة بدهشة ولم يتعرف عليه أحد على الإطلاق؛ ليعتقد الجميع وقتها إنها صورة للفلاح المصري الذي طالما وهب الحياة لوادي النيل، لكن القصة أبعد ما يكون عن ذلك.
تفاصيل قصة «جنيه إدريس» تحدث عنها الكاتب محمد المنسي قنديل، في كتابه «لحظة تاريخ.. 30 حكاية من الزمن العربي»، مشيرًا إلى أن شخصية الصورة التي طبعت على العملة الورقية ترجع إلى تابع الملك فؤاد ويدعى «إدريس الأقصري»، الرجل الوحيد الذي بقي مع «فؤاد» قبل جلوسه على العرش حتى أنه رافقه إلى أوروبا وحينما دخل ميناء الإسكندرية، وهو ما زال أميرًا.
قصة حلم «إدريس» الذي تحقق.. ورد الأمير فؤاد
وجود «إدريس» برفقة الأمير فؤاد في أوروبا لسنوات لم يجعله يتخلى عن هيئته حيث بقي محتفظا بجلبابه وعمامته الجنوبية، لكن ظل مهموما به خاصة في وقت ضيقته المالية ووجود خلافات على من يحكم مصر بعد رحيل السلطان المريض حسين كامل، في ظل رفض ابنه الأمير «كمال الدين حسين» استكمال مسيرة والده.
وفي لحظة انشغال الأمير فؤاد بهمومه، سمع صوت تابعه يقول: «يا أفندينا.. لقد حلمت أنك ملكا لمصر»، وفجأة غير «فؤاد» نظره إلى خادمة كون الكلمات التي قالها مستحيلة، بسبب وجود وريث للسلطان المريض بجانب أفراد العائلة المالكة الأكبر منه والأكثر نفوذًا؛ ليرد على تابعه «كبرت وخرفت يا إدريس».
مواقف ولحظات عدة مرت على الأمير فؤاد منذ قدومه إلى مصر صحت داخله نبوءة إدريس، خاصة بعدما علم بتنازل الوريث الرسمي عن العرش لكن لم يتيقن من الأمر، حتى استقبل دعوة لمقابلة اللورد «وينجت» المندوب السامي الحاكم الحقيقي لمصر.
ذهول وارتباك وخوف اجتاح قلب «فؤاد» في تلك اللحظة، لكنه حرص على ارتداء أفضل ما لديه من ملابس، وذهب مهرولاً من أجل المقابلة التي تفاصيلها بمثابة طاقة القدر له، حيث قرر «وينجت» دفع ديون «فؤاد» التي تراكمت عليه نتيجة رحلاته المستمرة إلى أوروبا، وإخباره بأنه تم اختياره ليكون ملكا على مصر.
انصرف الأمير إلى منزله وفي ذهنه شئ واحد مقابلة خادمه «إدريس» الذي وجده يصلي الظهر، ظل واقفا حتى انتهى من أداء الفريضة ثم ابتسم له وقال: «لقد تحقق حلمك الغريب وستكون صورتك أول جنيه تصدره حكومتي».