ابتسامة صافية ووجه طيب تتميز بهما «سهير»، سيدة خمسينية، تجلس على أرصفة أحد شوارع حي الدقي بمحافظة الجيزة، تحتضن قطتها ذات الشعر الأبيض، وتعرض أمامها مجموعة من الجوارب والمناديل، تستعين ببيعها على إعالة نفسها ومساعدة ابنها الثلاثيني، الذي يعاني من صدمات عصبية ويعمل «أرزقي».
سهير فوزي، 57 سنة، تحكي في حديثها لـ«»، أنها منذ 8 سنوات كانت تعيش في شبرا مصر بمحافظة الجيزة، وبعد وفاة زوجها حسين عشري بفيروس «C» وجدت نفسها مضطرة للخروج والعمل في الشارع، ولم تمر 4 سنوات على وجودها في شوارع شبرا لبيع المناديل والجوارب حتى سئمت العيش هناك بسبب تصرفات أحد أبنائها.
من شوارع شبرا إلى الدقي
«عندي ابني محمد 28 سنة واتضرب في شرب المخدرات، ودايمًا كان بياخد الفلوس مني ومن أخوه عشري 32 سنة»، هكذا قالت الأم، وأنها حاولت كثيرًا علاجه من الإدمان إلا أنه رفض: «كنت بحطله العلاج في الأكل، بقى ميرضاش ياكل أي حاجة من إيدي»، وفي النهاية قررت أن تترك له شقتهم في بيت العائلة بشبرا، والذهاب إلى حي الدقي مع ابنها «عشري».
استكملت السيدة الخمسينية عملها في البيع على أرصفة الشوارع كي تجني ما تتمكن معه من إعالة نفسها وشراء علاجها، وأيضًا مساعدة ابنها الأكبر والذي بدأ مؤخرًا يعاني من صدمات عصبية بسبب المشاكل التي تأتيه بسبب أخيه: «لما جيت الدقي ربنا كرمني بواحدة طيبة خدتني أجرتلي أوضة في بيتها»، مشيرة إلى أنها كانت تدفع 700 جنيه كإيجارٍ للغرفة، بالإضافة إلى فواتير الكهرباء والمياه، إلا أن السيدة لم تعد تأخذ منها سوى 550 جنيهًا في الشهر شاملة كل شيء.
عدة ساعات تقضيها «سهير» على الرصيف في الشارع وهي ترتعش بردًا ولا تجد ما يحميها من صقيع الطقس ولفحات هوائه القاسية، تنتظر في هدوء وصبر أن يُرسل لها اللهُ رزقها، وهي تحمل على يدها قطة بيضاء كانت مشردة في الشوارع منذ سنتين قبل أن تلتقيها، لتجلس بها على الرصيف تأخذها في حِضنها وكأن كل منهما يستدفئ بالآخر ويستأنس به في وحدته: «لما غيرت مكاني فضلت تدوَّر عليا لحد ما جات لي.. اللي ربنا بيكرمني به باكله أنا وهي».
«سهير»: نفسي في أوضة أعيش فيها
عدة أدوية تحرص السيدة الخمسينية على تناولها باستمرار للتخفيف من آلام عظامها التي تُزعجها بشدة، وأحيانًا كثيرة تعجز عن شرائها: «مليش غير معاش الشئون 323 جنيه في الشهر»، وفقًا لـ«سهير»، التي لا تتمنى شيئًا سوى علاج ابنها وسحبه من دوائر الإدمان، بالإضافة إلى غرفة صغيرة تسكن بها بسبب عدم قدرتها على دفع الإيجار.