الدكتور حامد جوهر
لُقب بـ«ملك البحر الأحمر» بسبب عشقه للكائنات البحرية فهو لم يكن يفضل الوظائف الروتينية مثل سائر أقران جيله، بل كان يبحث عن ما هو جديد دائمًا، خلد ذكراه ببرنامج لن يمحى أبدًا من ذاكرة جيلي الثمانينات والتسعينات، إذ اعتاد الدكتور حامد جوهر على تقديم برنامج «عالم البحار» كل يوم جمعة لنحو 18 عامًا، ورغم مرور ما يقرب من 30 عامًا على رحيله إلا أن تراث العالم الراحل ما زال يفيد العلم والبشرية حتى الآن.
ولد حامد عبد الفتاح جوهر في الدرب الأحمر بالقاهرة في العام 1907، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، إذ حفظ عِدة أجزاء من القرآن الكريم وكان من معلميه عبد الله العفيفي الذي كان سببًا في حبه للغة العربية فأحب أشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وحصل على شهادة البكالوريا في العام 1925 من المدرسة الثانوية الملكية «الخديوي إسماعيل فيما بعد»، والتحق بكلية الطب.
وعلى الرغم من نجاحه بتقدير امتياز في السنة التحضيرية إلا أنه فضل أن ينتقل إلى كلية العلوم، وحصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى عام 1926، وجرى تعيينه معيدًا في قسم علوم الحيوان بنفس الكلية، وفي عام 1931، تقدم بأول رسالة لنيل درجة الماجستير وحصل على الدكتوراه في العلوم في هذا الفرع من المعرفة، ووفقًا للدكتور عبد الحليم منتصر رائد علم البيئة النباتية في العالم العربي، يعد «جوهر» أول من يحصل على الدكتوراة في علوم الحيوان.
حياة الدكتور حامد جوهر
عشق «جوهر» السباحة ورياضة التجديف، ولعبت المصادفة دورها في حياته حينما أراد أستاذه أن يكافئه على نجاحه الباهر في أبحاث الماجستير، فرتب له رحلة إلى محطة أبحاث الأحياء المائية في مدينة الغردقة ليعجب بالمكان.
تكررت زيارات الدكتور الراحل لمحطة الأبحاث التي كانت تابعة لجامعة القاهرة في ذلك الوقت، وانتقل للعمل بها عام 1932 تحت رئاسة العالم الإنجليزي سيريل كروسلاند، وأقام إقامة دائمة وتفرغ لأبحاثه التي تناولت الشعاب المرجانية والأسماك والرخويات وعرائس البحر «الأطوم أو بقر البحر»، وذلك طبقًا لما ذكر الدكتور أشرف مؤنس أستاذ التاريخ الحديث بكلية التربية جامعة عين شمس، في دراسة بحثية عن الدكتور جوهر.
تولى «جوهر» رئاسة المحطة البحثية كأول رئيس مصري 1934 وظل رئيسًا لها لمدة 40 عامًا، شهد خلالها المعهد نشاطًا علميًا دؤوبا، إذ أنشأ الدكتور الراحل متحفًا للأحياء المائية تابع للمحطة، كما أجرى أبحاثًا مهمة في مجال علوم البحار، وتحمل المحطة الآن اسم «المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد» فرع البحر الأحمر، وتتبع وزارة البحث العلمي.
جرى دعوة «جوهر» من جامعة كامبريدج لزيارة إنجلترا، وسافر إليها 1937، ومكث هناك لما يقرب من عامين زار خلالها العديد من متاحف التاريخ الطبيعي في لندن وباريس وبرلين وفيينا، ونشر نتائج أبحاثه العلمية في الدوريات العلمية الأوروبية.
تكريمه من الملك فاروق الأول
وخلال زيارة الملك فاروق الأول للغردقة عام 1942، أهدى «جوهر» قطعة أرض بمساحة 55 فدانًا لتأسيس باقي مباني محطة البحوث البحرية، تقديرًا له لنبوغه في البحث العلمي، وهي قطعة الأرض المقام عليها حاليا معهد علوم البحار، وتوجد بها أيضًا استراحة الدكتور حامد جوهر واستراحة كبار الزوار وكان الملك فاروق يقيم داخل الاستراحة أثناء زيارته للمعهد، ونشأت بينه وبين «جوهر» علاقة وطيدة، وهناك تميمة مسجل عليها «هدية الملك فاروق الأول للدكتور حامد جوهر» في متحف علم المحيطات بالمعهد.
أغرب حكاية لـ«جوهر» مع حوت ضخم
اشتهر الدكتور جوهر بتحرِي الدقة الشديدة في عمله، ويروي تلاميذه حكايات عنه منها حكاية فك الحوت ففي عام 1943، علم باصطياد حوت ضخم في مدينة السويس، فأسرع إلى هناك ووجد أن الحوت تم تقطيعه، فاحتج على ذلك وأخذ يجمعه قطعةً قطعة، واكتشف أن أحد فكيه مفقودا فنشر إعلاناً في الصحف ورصد مكافأة لمن يعيد الفك الضائع ونجح في استعادته.
عمل «جوهر» مستشارا للسكرتير العام للأمم المتحدة لتنظيم المؤتمر الدولي الأول لقانون البحار في جنيف عام 1958، واختارته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1959، رئيسًا للجنة التخلص من النفايات النووية في أعماق البحار، وعمل مستشارًا للعلوم والتكنولوجيا بجامعة الدول العربية عام 1970، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1973، وكان عضوًا باللجنة الاستشارية لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة، وشارك في المعاجم العلمية العربية التي أصدرها مجمع اللغة العربية وأبرزها معجم «البيولوجيا في علوم الأحياء والزراعة» الذي استغرق إعداده 8 سنوات، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم عام 1974 ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1975.
برنامج عالم البحار
قدم «جوهر» برنامج «عالم البحار» وكان يذاع كل جمعة، واستمر عرضه لمدة ثمانية عشرعامًا حيث كان يعرض أفلامًا عن مختلف الكائنات البحرية شارحًا الفصائل المختلفة وعاداتها وصفاتها حيث كان له صوتًا مميزًا ارتبط بأذهان المشاهدين على مدار تلك الأعوام، وتم إطلاق اسمه على مدرسة إعدادية للبنات بالغردقة «مدرسة الدكتور حامد جوهر الإعدادية بنات»، كما طالب سكان منطقة حفر الباطن بالغردقة مؤخرًا بإعادة إطلاق اسمه على المنطقة بدلًا من اسمها الحالي.
لم يتزوج الدكتور جوهر، فقد كان يقول لتلامذته أنه تزوج البحر الذي أعطاه حياته إذ عاش راهبًا للعلم، كما قال عنه عبد الحليم منتصر رائد علم البيئة النباتية في العالم العربي: «أمضى الدكتور جوهر زهرة شبابه وسِني كهولته باحثًا دارسًا للبحر حتى غدا خبيرًا عالميًا مرموقًا من خبرائه، فخرج على الناس بعشرات البحوث المنشورة في أرقى المجلات العلمية».
وله أخ شقيق أصغر منه وهو الفنان علي جوهر الذي ولد في 8 سبتمبر 1924 في العاصمة البريطانية لندن، والتحق بمدرسة التجارة وعمل في شركة البترول ومنها إلى البرنامج الأوروبي حيث كان يعمل مقدمًا للنشرات الإخبارية، واكتشفه المخرج نيازي مصطفى في ستينيات القرن الماضي وقدمه في فيلم «جناب السفير» عام 1966، وقدم للسينما والتلفزيون نحو 60 فيلمًا ومسلسلًا، كما عمل مذيعًا لنشرة اﻷخبار باللغة اﻹنجليزية في القناة الثانية بالتلفزيون المصري، ورحل عن عالمنا في 5 يونيو عام 1998.