في الصباح يرتدي «محمد» بدلته ويذهب إلى عمله بنشاط، ثم يعود مسرعا بعد الظهر ليعمل بائع خضروات وفاكهة مع والدته بابتسامة وفخر، ولا يريد سوى شيئا واحدا، أن تكون والدته سعيدة وفي راحة.
«محمد سعيد» شاب عمره 30 عاما يعمل موظفا في جهة مصرفية، منذ الصغر رأى والديه يعملان في مهن بسيطة من أجل الإنفاق عليه وعلى أخوته ولا يريدون سوى سعادتهم وأن يصبحوا رجال أشداء لديهم طموح ولا ينظرون إلى الآخرين، ويعملون دائما بجد واجتهاد وأن يرضوا بما قسمه الله لهم ويكونوا ذرية صالحة.
يروي «محمد » في حديثه لـ«»، أن والدته البالغة من العمر 55 عاما، أنجبته وأخوته في شقة صغيرة وبسيطة بالبساتين، ولم يكن لديهم الرفاهية التي يمتلكها البعض وإنما كان الحال «على القد»، لتعمل بائعة فاكهة وخضار فيما يعمل والده «مبيض محارة»، ورغم أن الشاب الثلاثيني من أسرة بسيطة إلا أنها كانت كبيرة في القيم والتربية الصالحة، «والدتي شقيت عليا وأخواتي ومن احنا صغيرين وربتنا، وفضلت تصرف علينا لغاية أما علمتنا وكبرتنا خلتنا في مكانة محترمة»
كانت بتبيع فاكهة وخضار على باب البيت قبل ما يكون عندنا مكان ممخصص، ومن صغري بشوفها شقيانة وبتتمرمط علينا، ووالدي كان شغال مبيض محارة ومكنش مقتدر كانوا الاتنينن بيشتغلوا لغاية ما وصلنا حاليا لمكان لينا والدتي بتبيع فيه».. رحلة شاقة مليئة بالكفاح خاضتها والدة ووالد «محمد»، ليكون أشقائه حاليا أرباب أسر، فيما يظل الشاب الثلاثيني تحت قدمي والدته ويعمل معها في تجارتها البسيطة.
ذكر الشاب الثلاثيني في حديثه لـ«»، أن والدته كانت دائما تحفزهم وتضع لهم طموحا محددا وكل من يراهم يفخر بهم، وعن وقفته بائعا رغم وظيفته، يقول «حقها عليا إني أقف جنبها وأعوضها عن تعب السنين اللي شافته وأرد ليها كل يوم هي شقيت فيه، مش قادر أحطلها الشيء المادي اللي يريحجيها فبعوض ده بمجهودي وإني أبيع معاها وأنا فخور جدا بيها وبوالدي ومش مكسوف ابد إني بقف أبيع جنبها ده شرف ليا».
ويرغب الشاب العازب في راحة والدته وأن يعطي لها الدنيا بأكملها، ويؤجل الزواج حتى يحقق حلمه براحتها مثلما حققت حلمه فيه وأشقائه، «أخواتي متجوزين، وأنا مأجل الجواز لغاية ما أحقق حلمي وأشوفها سعيدة ومرتاحة البال ومش محتاجة حاجة أبدا»، وترفض السيدة الخمسينية ترك تجارتها الصغيرة لأنها معتادة على العمل وهي المهنة التي عاشت عمرها فيها «بخلص شغلي على بعض الظهر وبرجع أغير البدلة وأساعدها وساعات بلاقيها مرهقة بخليها تطلع تريح هي وأكمل أنا ، ربنا يباركلي فيها».