مع بزوغ الشمس وبقلب صافي يجلس محمد زهير، 58 عامًا، في شارع الشعراني بحي الجمالية، على كرسي صغير وأمامه صندوق صغير يحتوي على علب ورنيش مختلفة، وينتظر الفرج من السماء حيث يلمع الأحذية بطريقة أنيقة وتصبح كأنها جديدة، وفي نهاية اليوم يحمد الخالق على نعمته ويذهب لأولاده راضيًا بما قسمه الله له.
فصول من المعاناة يعيشها «محمد» منذ صغره، عندما حرم من حقه في التعليم نظرًا لظروف الحياة التي لم تسانده لتحقيق أحلامه، وتستمر المأساة بالتحدي الأكبر وهو محاربة البطالة: «حاجات كتير الواحد كان نفسه يعملها زي أنه يتعلم ويتنور ويبقى شخص مهم في المجتمع وده اللي مقدرتش أعمله، لأنه مش بإيدي بس هحقق اللي نفسي فيه عن طريق ولادي: «أنا عندي ولد في 2 إعدادي نفسه يطلع مهندس، وبنت في تانية ثانوي وحلمها تبقى دكتورة، وبدعي ربنا يقدرني أوصلهم لكل حاجة عايزينها».
«محمد» ملمع أحذية متميز
يعيش «محمد» مع أسرته في غرفة صغيرة بجوار عمله في شارع الشعراني بحي الجمالية في محافظة القاهرة، ويتذكر أول حرفة عمل بها، حيث كان يعمل حدادًا، ولكن بعد بضع سنوات ومع أعباء الحياة التي تزيد يومًا بعد يوم، أصبح عمله في الحدادة لا يكفي أبسط الأشياء: «الشغل وقف ومكنتش عارف أعمل إيه هأكل عيالي منين طب، كنت مهموم وبفكر على أي حل جاتلي فكرة ورنيش الأحذية، جبت صندوق صغير وحطيت في كام نوع، بشتغل بضمير عشان كده الناس كلها عارفاني، وزبايني بيزيدوا كل يوم، وبقيت أحسن ملمع أحذية».
الشتاء موسم تلميع الأحذية
تلميع الأحذية كأي وظيفة لها موسم، حيث يشتد الإقبال على «محمد» في الشتاء فضلًا عن باقي فصول السنة: «بقالي 25 سنة في الوظيفة دي، الشغل مش أوي بس بترزق ولما بيجي الشتا الإقبال بيبقى كويس وده أكتر وقت الواحد بيحس فيه بطعم الحياة، وبعمل الجزمة بـ3 جنيه وفي اللي بيديني 5 جنيه».
أمنيات «محمد»
يتمنى «محمد» أن تبتسم له الحياة ويعيش في شقة مع أسرته بدلًا من الغرفة الصغيرة التي لا تحتوي على منفذ للتنفس، ويحصل على معاش يستطيع من خلاله تلبية احتياجات أبنائه حتى لا يشعر بالحزن عندما يرى نظرة الانكسار في وجوههم، وفي داخله أمنية أخرى أن تكون أيام السنة كلها شتاء حتى يزيد رزقه ويحقق ما يتمناه.