| «محمد» كفيف يعمل في صناعة نسخ المفاتيح: «بشوف بعيون ولادي»

داخل محل صغير ضيق وأبعاده محدودة بمنطقة الطابق بحي بولاق الدكرور، ممتلئ بـ«كراتين» فارغة من البضائع والخامات، يتواجد الأب الكفيف رفقة نجليه يصنع نسخ المفاتيح لزبائنه مقابل بضع جنيهات، يعود بها نهاية يوم طويل من العمل، ليعول بها أسرته المكونة من زوجة وثلاث فتيات وولدين، وينفق من خلالها على متطلبات تعليمهم وحياتهم.

محمد شعبان، أب كفيف يبلغ من العمر 40 عامًا، وصل في تعليمه حتى الفرقة الثالثة من كلية الآداب قسم تاريخ بجامعة أسيوط، ورغم عجزه البصري الكلي، إلا أنه عاش رحلة طويلة بين الأعمال والمهن المختلفة، حتى انتهى به الحال داخل هذا المحل الصغير، صنايعي لنسخ المفاتيح.

«محمد»: بشوف بعيون ولادي

يعتمد «محمد» على بصيرته في عمله ومن قبلها على أعين نجليه الاثنين الذين حرص على تعليمهما نفس الصنعة مثله، رغم إنشغال كل منهما بمدرسته، وفق ما يحكيه «محمد» في حديثه مع «»: «الكبير اسمه شعبان في سنة 3 دبلوم تجارة، والصغير اسمه أحمد في أولى إعدادي، وهما عيوني اللي بشوف بيها».

بدأت حكاية «محمد» مع صناعة المفاتيح قبل سنوات

حكاية الأب الكفيف مع صناعة نسخ المفاتيح، بدأت قبل سنوات، وبالتحديد حين فقد عمله كبائع متجول لإكسسوارات المحمول أمام مجمع التحرير، فعمل بنفس المحل رفقة أحد أقاربه وشقيقه، وفي ظرف شهور قليلة كان قد تعلم تلك الصنعة رغم تعقيدها ومن قبل ذلك إعاقته البصرية: «اتعلمت باللمس، كنت بتعرف على المكن اللي بنشتغل بيه بإيديا، والميزة فيا إن أسئلتي كتير، وبحب أسأل عن كل حاجة، وده اللي ساعدني أتعلم بسرعة».

نشأ الأب الكفيف بمركز ديروط بمحافظة الأسيوط، وبعد تعلمه هذه الصنعة، وجد نفسه بدون مقدمات مسؤول عن هذا المحل وحده، بعدما رحل شقيقه إلى محافظة أسيوط: «وكمان الراجل قريبي، فضل يشتغل في حاجة تانية أفضل، فلقيت نفسي فجأة مسؤول عن إدارة المحل وتشغيله، فتوكلت على الله، لأنه مورد رزق أسرتي، وكان لازم أحافظ عليه، وأهو شغال من حوالي سنيتن، صحيح مش دايما في شغل، بس الحمد لله رضا».

الأب الكفيف يصلح الأجهزة الكهربائية

«محمد» ولدا محرومًا من بصره، لكنه لم يحرم من بصيرته، التي تجلعه مثل رجل خارق يقوم بأفعال استثنائية مقارنة بعجزه البصري الكامل، والتي يستخدمها في عمله كصنايعي لاستنساخ المفاتيح، وكذلك يمكن من خلالها أن يصلح الكثير من الأجهزة الكهربائية المختلفة: «مفيش صنايعي كهربا أو سباك بيخش عندي البيت، بعرف أصلح المراوح والكاتيل بتاع الشاي، وحتى الحنفيات لما بيحصل فيها حاجة بصلحها، لدرجة إن الجيران بيلجأوا لي لما حاجة من عندهم تبوظ».

«الكفيف المعجزة»، كما وصفه أحد زبائنه خلاله حديث «» معه، يملك أحلام بسيطة للغاية مثل محله البسيط المتواضع: «مش عايز غير وظيفة ثابتة، أصرف منها على عيالي، أنا بدفع إيجار 1000 جنيه للشقة اللي قاعدين فيها، و1000 جنيه غيرهم إيجار للمحل الصغير ده، فمش عايز غير وظيفة تضمن الستر ليا ولعيالي».