حلمت الأم بإنجاب طفلها الذي سيصبح ذات يوم ذو شأن عظيم، ترقبت ولادة طفلها، لتفاجئ بفقدان بصره نتيجة خطأ طبي بالولادة، تخطت صدمتها سريعا، ورسمت خيوط الأمل بعودة الإبصار إلى صغيرها مرة أخرى بعد إجرائه عملية بالعين، ليتمكن من رؤية عالمه لأول مرة.
وبدأ الأمل يتصاعد بعد نجاح العملية، وسط تلهف الأم الصبورة في مشاهدة طفلها يكتشف العالم من حوله بنفسه، غير أن الأمل تبدد للأبد، بعد تعرض الصغير لحادث، نتج عنه إصابته في عينه، ليخبرها الأطباء بعدم قدرته على الإبصار بقية حياته.
التحق الطفل بمدرسة أزهرية، لأنها المتاحة للمكفوفين بالأقصر في ذلك الوقت، ليصبح دارس علوم شريعة، غير أن الأم أردات أن تضع لطفلها المستقبل الذي رسمته بمخيلتها قبل مجيئه، بأن يدرس العلوم، ويصبح ذو شأن كبير بالمجتمع، لتتخذ قرارا قد يكون الأصعب عليها، وهو إرسال صغيرها ابن الـ6 سنوات إلى محافظة أخرى، للدراسة بمدرسة مخصصة لدراسة المكفوفين العلوم الحديثة بمحافظة أسوان، بمسافة تتعدى الـ3 ساعات، ويروي محمد حسين لـ«»: «والدتي بتحكيلي إنها كانت مش بتعرف تاكل أو تشرب أو تنام، دايما تفكر أنا عامل إيه في اللحظة دي، وباكل وبنام ولا لا، بس كانت مصرة إني اتعلم كويس بمدارس خاصة بالمكفوفين».
محمد: سايب أهلي من سن 6 سنين عشان العلم
حياة صعبة عاشها «محمد» صاحب الـ20 عامًا، في فترة مبكرة من حياته، بعد أن أصبح مغتربا في هذا العمر المبكر، بعد التحاقه بمدرسة النور للمكفوفين بأسوان، ورغم احتياجه لأمه، لتكون هي النور الذي يتمكن من خلاله التعرف على العالم من حوله، بدأ محمد في تحسس طريقه بمفرده كمغترب، يعتمد على نفسه في أبسط الأشياء التي يصعب على الأطفال العاديين صنعها في هذا العمر الصغير، «طول عمري مغترب وسايب أهلي من عمر 6 سنين لغاية دلوقت مرجعتش بيتنا، دايما مسافر عشان أتعلم، درست 12 سنة في أسوان، كنت مقيم في السكن بتاع المدرسة، وكانوا الطلاب الأكبر بيساعدوا في اللبس والمذاكرة، وبقالي سنتين مغترب بالقاهرة للدراسة بالجامعة».
ميول وشغف بالعمل الإعلامي والصحفي
بدأت الميول الإعلامية بالظهور مبكرًا على الطفل، لاحظ المعلمون شغفه بتقديم الإذاعة المدرسية، ورغبته المستمرة في تقمص دور المذيع في فقرة الأخبار بالمدرسة، وبمرحلة لاحقة عشق للكتابة، «كنت بقدم الأخبار السياسية والاقتصادية والطقس، وزميلي كان بيقدم الأخبار الرياضية، وكتبت موضوع مرة عن تجارة الأعضاء أخد جايزة على مستوى الإدارة التعليمية».
حرص محمد على تفوقه رغبة في الالتحاق بكلية الإعلام، وتحقيق رغبته بالدراسة فيها، «كان نفسي أدرس علمي، بس ساعتها كان المكفوفين مسموحلهم يدخلوا أدبي بس، بس الحمد لله إن شغفي كان دراسة الإعلام، وده ممكن أحققه بأدبي، خاصة إني كنت دايما الأول على دفعتي».
تحقيق الحلم
درجة ونصف حالت دون تحقيق «محمد» لحلمه بدراسة الإعلام بجامعة القاهرة، بعد حصوله على 93% بالثانوية العامة، فظن أن حلمه لن يتحقق، غير أن القدر باغته بتحقيق حلمه، بعد أن أخبره أصدقائه بإعلان الوكالة الأمريكية عن منحة للمكفوفين لدراسة الإعلام بالجامعات الخاصة، وكانت لحظة قبوله بالجامعة من أسعد لحظات حياته، شعر خلالها بأنها مكافأة لسنوات غربته الطويلة بعيدًا عن أحضان عائلته، «حاسس إني بحقق حلمي بكتب أخبار وبسجل نشرات في الجامعة، ودايما بحاول أطور نفسي وبقرأ كتاب كل يومين في كل المجالات».
ذكريات الثانوية العامة كمغترب
وعن ذكرياته بالثانوية العامة كمغترب، يؤكد «محمد»، أنه كان يستذكر دروسه بانتظام، ولم يلجأ للدروس الخصوصية، كما أنه كان دائمًا يتطوع بالجمعيات الخيرية لمساعدة الآخرين، وعن أحلامه يطمح مغترب العلم في العمل بالإعلام بإحدى المؤسسات الصحفية الكبرى، أو إحدى المحطات التلفزيونية، خاصة أن المجال الآن أصبح أكثر سهولة عن ذي قبل، بعد أن تمكن عدد من الصحفيين والإعلاميين المتميزين من فاقدي البصر، من تحقيق نجاحات كبيرة بالمهنة.