رجال ونساء في مراحل متقدمة من العمر، منهم من فقد الذاكرة ومنهم من يعاني من أزمات نفسية، يفترش كل منهم الأرض في مظهر مأساوي بوجوه شاحبة وملابس متسخة، مشهد متكرر بشكل كبير في شوارع مصر، الأمر الذى دفع الشاب «محمد التونسي» فلإطلاق مبادرة لإنقاذ المشردين ومحاولة إعادتهم لذويهم.
الشاب الثلاثيني أحد أبناء محافظة أسيوط، تعاطف مع حالات المشردين بالشوارع، وقرر مساعدتهم في الحصول على مأوى مناسب لهم، بدأ بمساعدة حالة متواجدة في منطقة رمسيس بمحافظة القاهرة، عام 2017، حيث قام بمساعدته من خلال حلاقة شعره وتحسين مظهره وملابسه، ثم بعد ذلك قام بعرض صورته على حسابه الخاص عبر «فيس بوك»، في محاولة منه للوصول لأهله، وبالفعل تم التواصل مع أهل الحالة الذي اكتشف أنه يعاني من «ألزهايمر»، وبعد خروجه من منزله لم يتمكن من العودة مرة ثانية.
أثناء عرض «محمد» صورة المريض، وجد تفاعلا كبيرا وإشادة بما فعله من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذى دفعه لعرض فكرة المبادرة لإنقاذ المشردين، وبالفعل وجد ترحيبا كبيرا من الشباب، فانضم للمبادرة الوليدة أكثر من 40 شابا على مستوى الجمهورية، واستمرت المبادرة في العمل والانتشار حتى وصل عدد أعضائها إلى 150 عضوا فعليا، فضلًا عن عدد من المتطوعين غير المنتظمين، بحسب حديث أحمد درويش، أحد أعضاء المبادرة.
محمد يطلق مبادرة «مصر بلا مشردين»: بنحاول نرجعهم لأهلهم»
«مصر بلا مشردين»، هو الاسم الذى أطلقه الشباب على المبادرة، حيث تبدأ الشباب في رصد المتشردين بالشوارع من خلال متابعة صفحات «السوشيال ميديا»، والبحث من خلال النزول إلى الشارع، عند رصد المشردين وتحديد أماكن تواجدهم، ثم يتم عرض الحالة على جروب الـ «واتس آب» الخاص بالمبادرة، ومناشدة أقرب الأعضاء من المنطقة التي يتواجد بها المتشرد.
بعد ذلك تتوجه سيارة المتطوعين إلى مكان المتشرد، والبدء في التحدث معه لمعرفة بعض المعلومات عنه، وبعض الحالات قد يصيبها الفزع أو الخوف في بداية الأمر، بعد أن اعتقدت أن الشارع هو مأواهم الآمن، وهنا يبدأ المتطوعون في تلطيف الأجواء وشرح ما يقوم به الفريق، حتى يطمئن المشرد لهم، فيبدأ الشباب في تحسين مظهر الحالة، لتبدأ رحلة البحث عن أهله.
بعد ذلك يقوم الشباب بعرض صورة للحالة على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة للوصول إلى أهله، وبالفعل تمكنت المبادرة من إعادة نسبة 10% من الحالات إلى ذويهم، وفي الوقت نفسه يتم التواصل مع دور الرعاية الخاصة بكبار السن، والأماكن الخاصة بالمشردين التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، التي يجد منها الشباب سرعة استجابة وتوفير مكان للحالة، حسب حديث «درويش».
توسعت المبادرة في أعمال الخير، حيث يقوم الشباب المتطوع بتجميع مبالغ مالية من أعضاء الفريق، لإعداد الوجبات في أماكن الطهي الخاصة بالمبادرة «مطابخ الخير»، وتوزيعها على الفقراء، كما تقوم المبادرة بالعديد من الأعمال الأكثر تأثيرا ومنفعة للفقراء من خلال تركيب أسقف البيوت، والمساهمة في تجهيز العرائس، وتوفير أماكن لعمليات مرضى الفشل الكلوي وتوفير العلاج لهم.
يختم «درويش» حديثه، مطالبا المجتمع بأكمله بتغيير النظرة القاسية للمشردين، مضيفا «المشرد هو إنسان مغلوب على أمره، منهم من فقد عقله فلم يجد من يستقبله إلا الشارع، ومنهم من غلبه المرض في تذكر مكان ذويه، فاتخذ من الشارع مأوى له، ويجب على المجتمع النظر للمشرد على أنه إنسان يحتاج للمساعدة»، وبالنسبة لمطالب الفريق، أكد أنهم ليس لديهم أي مطالب شخصية، فهم يسعون إلى إرضاء ربهم «عايزين الجنة وبس».