متنازلا عن هيئته ومظهره الحسن لساعات طويلة، واقفا أعلى حفنة من الطين المعجون بلمسة يديه الخشنة، ممررًا أصابع قدميه برفق على الأطراف، تارة يمسك ظهره من الوجع وتارة أخرى ينسى الآلام من أجل استكمال اللبنة الأولى في تشكيل منتجاته الفخارية، مقدما إياها لمساعده أمام دولاب مهمته الأساسية إعداد تحف تلقى إعجاب الناظرين؛ ليعاود الجلوس أمامها للرسم عليها وتجهيزها للعرض.
محمد عن حرفة الفخار: معرفتش اتعلم واشتغل غيرها
تلك تفاصيل مهنة الشاب محمد فتحي طه، المغطى الطين جسده وقدميه أغلب الوقت، مختفية بسببه ملامحه الحسنة دون شعور بالحرج، بل بالنسبة له وضع يتفاخر به وبمثابة عشق له حيث المحافظة على مهنة أجداده التي تعلمها منذ 10 سنوات داخل ورشته بقرية الفواخير بمدينة الفسطاط في مصر القديمة، وفقا لما ردده بابتسامة بسيطة خلال حديثه مع «»، متابعا: «أنا صنايعي فخار ودي مهنة وراثة مليش غيرها، وأي حاجة هتطلب فيها هعملها لأني بحبها أوي ولما جربت اتعلم غيرها معرفتش».
اقرأ أيضا: «صلاح» أقدم حرفي بقرية الفواخير: فقد عينه وإصبعه في المهنة «عشق لا ينتهي»
تفاصيل يوم «محمد» منقسمة ما بين خدمة الطين أي عجنه وتجهيزه للتشكيل والجلوس أمام المنتج بعد ذلك من أجل الرسم والنقش عليه؛ إذ يستوحى الرسومات مما يراه أمامه أغلب الوقت أو المعروف من الحضارة المصرية القديمة كزهرة اللوتس، التي وثقت على جدران المعابد والمنقوشة على الفخار المتوارث مهنته منذ آلاف السنين.
يرى الشاب الثلاثيني، الحاصل على دبلوم صنايع، أن مهنته التي ارتبطت روحه بها، أصبح قليل من الجيل الجديد يرغب في تعلمها باحثين عن الأسهل والأسرع في اقتناء الأموال، مستكملا: «الجيل دلوقتي بيحبوا مهنة مفهاش ضغط وخفيف لما بيشوف تفاصيل صناعة الفخار بيقرر ميمشيش فيها لكن أنا بحب مهنة الفخار جدا لأنها بتحافظ على تراثنا ومش بيهمني شكلي رغم في ناس بيستغربوا من الطين اللي على هدومي».
تحويل الطين إلى منتج فني بمثابة إبداع للشاب الثلاثيني، وهو ما جعله يتشبث بمهنته منذ الصبا وحتى شبابه، منتجا يوميا مئات الأشكال الفخارية ما بين فوانيس للإضاء وفازات وإناءات للزرع والمياه وطواجن وأدوات منزلية.