كان يفترض أن يأخذ الأمر شكلاً روتينياً، حين عادت «أسماء» ذات يوم من المستشفى في ساعة متأخرة من الليل، حاملة طفلتها الأولى بعد أن نجحت العقاقير الطبية في إيقاف حالة الإعياء والقئ المستمر لديها، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً، كشفت التحاليل عن إصابة الابنة ذات التسع سنوات بـ«السيلياك» أو ما يعرف بـ«حساسية القمح» ذلك المرض الصعب التشخيص، غيّر مجرى حياة الأسرة بأكملها.
أطفال أسماء محرومين من رغيف العيش
خلف أبواب أحد المنازل البسيطة الكائنة بقرية ناهيا البلد، التابعة لمركز كرداسة في محافظة الجيزة، أسرة كاملة لا يتذوق أفرادها رغيف الخبز، ومحرّم عليهم شتى أنواع المخبوزات، حتى البسكوت والحلوى التي يهواها الصغار قد تدفع بأطفال تلك الأسرة إلى المستشفى إثر نوبة إغماء وإعياء شديد نتيجة إصابتهم بحساسية من تناول أي طعام يحتوي على القمح، تقول الأم «أسماء» في بداية حديثها لـ«» عن رحلة سنوات في مواجهة مرض لا علاج له ولا مفر من التعايش معه، بحسب تعبيرها.
أعراض حساسية القمح
بداية الأزمة ترجع إلى نحو ثلاث سنوات من قبل، حين تكررت تقلصات الأمعـاء والإسهال والإغماء وتفاوت الشهية وحموضة المعدة وبطء في النمو لدى الابنة الأكبر «عائشة»، شخصها العديد من الأطباء حينها بنزلة معوية، حتى أثبتت الفحوصات ذات مرة إصابتها بمرض حساسية القمح وأوصاها الطبيب بقائمة محظورات من الطعام حفاظا على صحة صغيرتها، «بنتي بقت محرومة من رغيف العيش العادي و الفينو وأي حاجة فيها قمح، وللأسف ناس كتير متعرفش حاجة عن المرض ده ويقولوا أنا اللي خايفة على ولادي زيادة عن اللزوم»، تقول الأم بلهجة ذات طابع فلاحي.
ما مرض السيلياك؟
السيلياك أو «celiac disease» هو نوع من الحساسية يظهر مع تناول دقيق القمح ومنتجاته بجميع أنواعها بسبب حساسية الجسم الدائمة لمادة الجلوتين وهو البروتين الموجود في بعض الحبوب كالقمح والشوفان والشعير، تتمثل أبزر أعراضه في تقلصات الأمعاء، وحموضة المعدة، والإسهال والضعف الشديد، وقلة الطاقة وبطء النمو لدى الأطفال.
المصائب لا تأتي فرادى وكأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض، اكتشفت الأم إصابة طفلتها الثانية «جنات» ذات الست سنوات بنفس المرض هي الآخرى، تلاها اكتشاف إصابة الابن الأصغر «سعيد» صاحب الأربع سنوات بـ«السيلياك» هو الآخر، وبعد خضوع الوالدين إلى التحاليل لاكتشاف السبب في إصابة كل الأطفال بحساسية القمح تبين أن الأب مصابًا بهذا المرض: «بدل ما كنت مسؤولة عن طفلة واحدة بقى عندي 4 في البيت محتاجين أكل خاص ورعاية مختلفة»، تروي الأم شكلًا جديدًا من الحياة بات واقعا مفروضا عليها.
1 من كل 4 أشخاص مصابين بحساسية القمح
ووفقًا للمعهد ي للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى (NIDDK )، يعاني حوالي 1 من كل 141 أمريكيًا من مرض الاضطرابات الهضمية، ويحتاج هؤلاء الأشخاص التخلص من الجلوتين من نظامهم الغذائي.
وعالميًا، أشار موقع Webmd الطبي العالمي، إلى أنه حوالي 1 من كل 4 أشخاص مصابين بحساسية القمح يظهر لديهم طفح جلدي مثير للحكة وبثور عند لمس القمح، ويحدث في البالغين أكثر من الأطفال وأكثر عند الرجال أكثر من النساء.
في بداية الأمر، اضطرت الأم إلى شراء كل الأطعمة الخالية من «الجلوتين» من المحلات المخصصة لذلك كما أوصى الأطباء، بداية من رغيف الخبر الجاهز في المتاجر الكبرى وصولًا إلى الأجبان والبسكوت والكعك والحلوى المخصصة لمرضى «السيلياك»، حتى تخطت ميزانية تلك الأطعمة الخمسة آلاف شهريا، بحسب رواية الأم، فما كان منها إلا أن حولّت مطبخها إلى مخبز.
عمل الخبز والكيك في المنزل
تعلمت «أسماء» كيف تصنع المخبوزات الخالية من «الجلوتين»، كما يناسب مرضى حساسية القمح، وسخرت طاقتها كل يوم للخبيز والطهي الصحي: «يومي بيبدأ من 5 الفجر، بحضر الفطار لجوزي قبل ما يطلع شغله في الأرض الزراعية ووقت المدارس بحضر سندوتشات وعصير عشان مياكلوش حاجة من بره تأذيهم»، تقولها بعاطفة الأمومة رغم شقاء الخبيز والطهي.
ليس تناول الخبز أو البسكوت العادي السبب الوحيد لتعرض الأطفال والأب إلى انتكاسة صحية، بل ازداد الأمر تعقيدا حين أخبرهم الطبيب أن مجرد لمس رغيف العيش أو مشتقات الدقيق العادي قد تؤذيهم: «لما بيلمسوا العيش أو أي حاجة فيها قمح بيحصل احتكاك في جسمهم ويطلعلهم بقع حمرا» كل ذلك أدى إلى منع دخول رغيف العيش العادي منزلهم.
مناشدة لتوفير خبزًا خاليًا من الجلوتين
عزلة تامة تعانيها أسر مرضى حساسية القمح، كيف يمكنهم الخروج إلى أحد المطاعم في يوم العطلة وقائمة الطعام كلها ممنوعة عنهم؟، هكذا تصف الأم معاناة الملايين من الأسر: «إحنا معزولين عن العالم، نفسنا في مطعم مخصص لأكل مرضى السلياك ونقدر نفسح فيه أطفالنا»، حتى القمح الخاص بهم لا يتوافر في كافة المتاجر بسهولة، بتمنى المسؤولين يوفروا لينا الدقيق أو العيش بتاعنا في منافذ بيع مدعمة زي العيش العادي، هكذا تمنت الأم أن يصل صوتها أملا في حياة أقل صعوبة ومعاناة أخف وطأة.