أيادٍ تضمد جراح المرضى وأخرى تستقبل المصابين من كل مكان، يعيشون في أوجاع لم تنتهِ لكنهم صامدون مثابرون داخل مستشفيات غزة، يستقبل بعضهم ذويه ما بين شهيد وجريح، لكنهم يواصلون عملهم ليل نهار دون استراحة، يتناسون أوجاعهم التي خلَّفها العدوان الإسرائيلي على كل شبر في فلسطين، ويعملون رغم تهديدهم بالقصف والقتل، هم أطباء مستشفيات غزة التي حاصرتها النيران من كل اتجاه.
دمار بمستشفيات غزة نتيجة القصف الإسرائيلي
دماء ودمار على كل متر من مناطق فلسطين لم يتوقع العالم أن تقصف قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات التي أصبحت ملاجئ للمرضى والأصحاء، لكن هذا هو حال مستشفيات فلسطين بشكل عام من بلدة بيت حانون شمالا، وحتى مدينة رفح جنوبا، وصولا إلى مستشفيات غزة التي أصبحت تحت النار والحصار، وفق المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور أشرف القدرة، لـ«»: «مستشفياتنا انهارت وطالها الدمار، وتحوَّلت إلى خرابات، أكثر من 8 مستشفيات خرجت من الخدمة بشكل فعلي، ونعاني أوضاعا كارثية، نفدت المستلزمات الطبية والأدوية، أوضاع الأطباء صعبة، لدى عشرات الأطباء يستقبلون أهاليهم شهداء ومصابين، وآخرين لم يستطيعوا مواصلة العمل بسبب الضغط الكبير».
واقع يضغط على الفرق والطواقم الطبية التي تحاول مواكبة رقعة الدمار الواسعة بقدرات وإمكانيات محدودة، لكنهم مرابطون حتى لو استقبلوا ذويهم شهداء، ليس لديهم وقتا لترك عملهم ودفن شهدائهم، بحسب حديث الطبيب الفلسطيني محمد حميد الذي يعمل بمستشفى ناصر في خانيونس، لـ«»: «استقبلت ابني شهيدا ولم استطع ترك العمل لدفن جثمانه إلا بصعوبة، نعمل في ظروف صعبة لكننا لن نترك أهالينا حتى لو استشهدت عائلاتنا بالكامل، لن نتخلى عن واجبنا تجاه المرضى حتى لو قتلونا».
طبيب بمستشفيات غزة يستقبل طفله شهيدا
اعتاد الطبيب الفلسطيني على مباشرة عمله في هدوء، يستقبل المرضى ويحاول تضميد جراحهم غير مبالٍ بما يحدث في الخارج حتى بعد أن تعرض منزله للقصف: «ما بيكون في بالنا أهالينا حتى لو قُصفت منازلنا، كل اللي بيشغلنا إننا إزاي نداوي المرضي، وبقت المستشفيات هي بيوتنا ما بنقدر نسيبها، لكن وضعنا أصبح كارثي، ما بقينا نتحمل نقص المستلزمات ولا الأدوية، الطرقات كلها تحولت لغرف عمليات بسبب كثرة الحالات، وبعدين استقبلت زوجتي وبنتي ووبنت أخوي وابن أخوي مصابين فأنا موزع وقتي ما بين رعايتهم في المشفى وما بين المرضى».
طرقات المستشفيات تحولت إلى غرف عمليات، ونقص المستلزمات وانقطاع الكهرباء أجبر الأطباء على إجراء الجراحات على ضوء الموبايل، وفق فضل نعيم، طبيب جراحة العظام في مستشفى المعمداني الذي جرى استهدافه قبل أيام: «لم نعد قادرين على مداواة جراح أهالينا في قطاع غزة، فنقص المستلزمات وانقطاع الكهرباء حلعنا نجري العمليات على ضوء الهواتف المحمولة، ما بقينا عارفين إيش نتصرف ولا كيف، المستشفيات اكتظت بالمرضى، حتى مجمع الشفاء اللي شغالين فيه طوارئ، وضعنا الإنساني كارثي، والعالم رافض التحرك».
طوارئ في مجمع الشفاء الطبي بعد قصف مستشفى المعمداني
لم يكن أطباء مستشفى مجمع الشفاء الطبي المجاور لمستشفى المعمداني أفضل حالا من باقي مستشفيات فلسطين، فالمشفى الذي لا تتعدى سعتة أسرته أكثر من 400 سرير، أصبح يستقبل أكثر من 1000 مصاب بشكل يومي، وفق «فضل»: «ما بقينا قادرين على الوضع الكارثي، مشفى الشفاء أوشك على الخروج من الخدمة، ما بقينا قادرين نستوعب أعداد المرضى، الإصابات خطيرة والإمكانيات محدودة، ما قادرين نشتغل بخلاف الإرهاق اللي بتتعرض ليه الفرق الطبية، بدنا العالم يسمع استغاثاتنا».
مستشفى الشفاء الطبي، أصبح يتعرض لضغط كبير خلال الأيام الماضية، خاصة عقب كارثتي مستشفى المعمداني وكنيسة الروم الأرثوذكس، وفق الطبيب الفلسطيني محمود السحباني، الذي يعمل رئيسا لقسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة: «الناس دخلت قسم العمليات تصرخ، إلحقونا، إلحقونا، لكننا ما قادرين ننقذهم كلهم، الوضع فوق طاقتنا، المشفى امتلأ بالقتلى والمصابين وبجثث تقطعت أوصالها، ونحاول إسعاف من يمكن إسعافه».
انهيار القطاع الطبي في غزة.. والأطباء: نقص الإمكانيات يهددنا
وضع كارثي داخل مستشفى شهداء الأقصى الذي يقع بمنطقة دير البلح في وسط غزة، فالمشفى الذي كان يعمل بكامل سعته قبل أيام وتحديدا قبل يوم 7 أكتوبر الجاري وهو بدء القصف الإسرائيلي على غزة، لم يعد الآن قادرا على تقديم مهامه، وفق الدكتور علي سعد الدين: «ما بقينا عارفين نعمل عمليات جراحية ولا نداوي المرضى، المشفى انهار فعليا ولم يعد قادرا على تقديم خدمات للمصابين».
ربما تساهم المساعدات الطبية التي أرسلتها مصر إلى فلسطين، في تحسين الوضع نسبيا لكنها بالطبع لن تكون كافية بسبب الدمار الذي لحق بالقطاع الطبي، خاصة في غزة، وفق الدكتور وليد أبو حطب، مدير مستشفى ناصر في خان يونس: «الوضع أصبح صعبا فوق تخيل أي حد، ما عاد عندنا إمكانيات، رفعنا سعة المشفى من 370 إلى 450 سريرا ومع ذلك لم نستطع تقديم أي شيء للمرضى، المنظومة الطبية تنهار، وربما تساعد مساعدات مصر في تحسين الوضع نسبيا، حولنا كل الأقسام لغرف عمليات المسشفى أصبح ممتلئا والطرقات تحولت لثلاجات للموتى».
مستشفيات غزة تتحول إلى ثلاجات للموتى
مع كل غارة، يندفع الأطباء العاملون بالمستشفيات إلى غرف العمليات التي تحاول غارات إسرائيلية استهدافها، لكن عددا من المعوقات تواجه الفرق الطبية في تلك الظروف الصعبة، بحسب الدكتور محمد أبو سليمة، مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة: «النقص الكبير في الكوادر الطبية خلى الدنيا أصعب والمشهد كارثي، بجانب نقص المستلزمات، وكمان إسرائيل بتستهدف الطواقم الطبية داخل سيارات الإسعاف».
وبحسب المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور أشرف القدرة، فإن الغارات الإسرائيلية، تسببت في خروج 8 مستشفيات عن الخدمة، و21 مركزا للرعاية الصحية الأولية، وقتل 64 من الطواقم الطبية، ودُمرت 23 سيارة إسعاف: «مستشفيات غزة تعيش وضع صعبا وربما لم تفِ المساعدات التي أرسلتها مصر بالغرض، لذلك نطلب المزيد».