رسالة كلماتها ليست واضحة لا تقول شيئا معينا، شَعر ساكن، ويد في حالة من الاسترخاء تعطي رسالة أخرى ليست واضحة أيضاً، قدم مرتدية حذاء فخم متخفية أسفل كرسي فخم، أجزاء غير مكتملة من جسم الإنسان في مواضع من الثبات والنوم، تدل على عدم حضوره الكامل، رسمتها «داليا سمير حسن» الطالبة بكلية الفنون الجملية بجامعة الإسكندرية في مشروع تخرجها بالالزيتية، للتعبير عن الحالة الزائفة التى تسيطر على الكثيرين في المجتمع وأطلقت عليه «الإنسان المش موجود» نظراً لحضوره وغياب تأثيره في نفس الوقت.
اهتمام الكثيرين بالمظاهر وتفاخرهم باللا شيء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتجاهلهم واجباتهم على الرغم من قدرتهم على التصرف، جعلهم عديمي التأثير والفاعلية كأنهم غير موجودين، فجسدت «داليا» هذه الحالة من خلال 6 لوحات مزجت فيها بين أجزاء من جسم الإنسان وعناصر من البيئة المحيطة به ذات دلالات تعبيرية، مثل الأثاث المنزلى الفخم واختيار الوالزخرفة الإسلامية لتدل على أنه شخص شرقي بالأساس، والمخدة لتعبر عن النوم والاسترخاء والتفاحة للدلالة على خطايا آدم وحواء.
داليا: هذا الجيل مختلف لتغير الوسائل والأدوات
اختارت «داليا» وضع الرسومات في لوحات بيضاوية الشكل لكونها يكثر اقتناؤها في القصور والفيلات وهذا يدل على حالة الثراء ووجود الأدوات التي تمكن الإنسان من فعل ما يريد لكنه يتخاذل، بسبب العوامل الزائفة حوله وانسياقه وراء الأوهام، لافتة إلى أن هذا الجيل يختلف عن الأجيال التي سبقته بسبب تغير الأدوات والوسائل المتاحة: «زمان كان اللي بيفرق شخص عن التاني عمله، لكن دلوقتي الجامد هو اللي شكله حلو وغني ودمه خفيف»، مشيرة إلى اهتمام الناس بمظهرها أكتر من تأثيرها.
«داليا» غيرت وظيفة الأشياء واستخدمتها في غير موضعها
حرصت «داليا» على رسم أثاث ومفروشات معتاد استخدام فى غالبية المنازل لرصد الحالة العامة للكسل وسيطرتها على الكثيرين، قائلة: «دخلت عناصر متاحة فى كل بيت عشان أدلل على اللى بيحصل، موجودين بس مش بنعمل حاجة»، ووضعت بعض الأشياء في غير موضعها وسحبت منها وظيفتها الأساسية للإشارة إلى عدم التأثير، حيث جعلت الكتب للزينة بوضعها أسفل الأباجورة بدلاً من استخدامها في القراءة، ورسمت كتب بقاتمة وحجم صغير لتعبر عن تهميش الثقافة رغم وجود وسائلها، إضافة إلى وضعيات أجزاء الإنسان المرسومة تزيد من إيحاء عدم التأثيرية فالأيادي المتشابكة أمام المصباح المشتعل توضح إحساس الإنسان بما يحدث حوله لكنه لا يريد أن يفعل شيء، وأكثرت من اللون الأحمر لكونه يعبر عن السيادة والتحكم: «الإنسان في يده السلطة إنه يعمل المستحيل لكنه لا يستخدمها».
في المستوى الثاني من اللوحات الفنية تشير «داليا» إلى وصول «الإنسان المش موجود» إلى مرحلة التخفي «الإنسان المستخبي» الذي لا يرد الحضور فأصبح انطوائيا، وعبرت عنه بلوحة تحتوي على كرسي فخم يستخدم للتسلية والمرح ويعبر عن حالة الغني والثراء الفاحش ولا يستخدم للضيافة أو في المكتب لإنجاز مهام العمل: «مش قادر على مواجة مشاكله فبيستخبى»، فضلاً عن تشبثه بالأشياء حوله وارتباطه بها وعدم استخدامها بشكل صحيح، وهو ما جسدته في اليد الممسكة بالكرسي.