| من حلقات الذكر لموائد الرحمن.. كيف احتفل المسلمون الأوائل بالليالي الرمضانية؟

على مر العصور شهدت ليالي شهر رمضان الكريم طقوساً روحانية متعددة، منها ما استطاعت أن تعبر إلينا مجتازةً الأعوام ومنها ما اندثر تبعاً لنمط الحياة المتسارع وتغير الأذواق بصورة مستمرة، وفيما يلي نستعرض بعض طقوس وعادات السابقين في إحياء الليالي الرمضانية.

 

الصلاة وتلاوة القرآن في عصر صدر الإسلام

في عهد النبي محمد كان المسلمون الأوائل يُحيون ليالي رمضان بتلاوة القرآن والصلاة والدعاء والذكر، بحسبما ورد في كتاب «رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين» لمؤلفه الإمام يحيى بن شرف النووي، الذي أوضح أن الصحابة كانوا يجتمعون في دار النبي بعد صلاة التراويح ليتدارسوا القرآن ويتدبروا آياته واستمروا لسنوات عديدة يكثرون من الأعمال الصالحة في أوقات الليل من الشهر الكريم حتى سُئل عمر بن الخطاب وهو خليفة للمسلمين عن الوقت الذي ينام فيه لكثرة مشاغله خلال فترة الصيام وبعدها، فقال: «إن نمت بالنهار أضعت أمور المسلمين وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل».

 

إحياء الليالي الرمضانية بالشعر في العصرين الأموي والعباسي

خلال العصر الأموي زادت مجالس الشعر والأدب في ليالي رمضان وكذلك في العصر العباسي، ومما يذكره كتاب «أدب الدنيا والدين» لمؤلفه أبي الحسن الماوردي، أن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان المعروف بكرمه، كان يأمر عماله بإعداد الولائم والمآدب في شوارع الدولة الأموية طوال شهر رمضان، كما يذكر الكتاب بداية ظهور الكنافة كحلوى رمضانية أعدت خصيصاً للخليفة الأموي معاوية، بعد أن شكى من الجوع بين كل وجبتي الإفطار والسحور فابتكر له الطهاة حلوى تمنع عنه الجوع قبل السحور وأسموها بـ«كنافة معاوية»، كما اخترع الأمويون نوعاً آخر من الحلوى أطلقوا عليه «قطايف السلطان»، ما يظهر الاهتمام بمظاهر الترف في ذلك العصر.

 

موائد الرحمن في عصر الفاطميين

كان الفاطميون يعدون موائد الرحمن تحت اسم «دار الفطرة»، وفي عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي كانت الموائد تمتد بطول 175 مترا، واستمرت هذه العادة الرمضانية لزمن المماليك، إذ كان السلطان حسن يقدم للناس في كل يوم من رمضان 117 ذبيحة لأنه بدأ في تقديم الذبائح عندما كان في عمر 17 عاما، فأضاف لها مئة ذبيحة، وبحسب كتاب «وصف مصر» الذي أعده مجموعة من علماء الحملة الفرنسية في مصر، كان المسلمون في ذلك الزمان يحيون ليالي رمضان بالاحتفالات، فتبدو الشوارع مضاءة وصاخبة ويجتمع الناس في أبهى ملابسهم يأكلون الحلوى وينغمسون في كل أنواع التسالي ومن ذلك إنشاد الابتهالات الدينية بصوت مرتفع مع دقات الطبول والمزامير.

 

الليالي الرمضانية في الوقت الحالي

في عصرنا الحالي تزايد استخدام بعض المصطلحات المتعلقة بشهر رمضان مثل «خيم رمضان» و«الليالي الرمضانية» و«حلقات الذكر» التي تكثر فيها فرق الإنشاد الديني والمعازف، وجميع هذه المظاهر الاحتفالية تعكس البهجة التي يحملها الشهر الكريم وتنوع الأذواق التي تسمح للجميع بإحياء ليالي رمضان بالشكل الذي يتفق مع رغباته وميوله.